من زمن الفأس إلى الاقتصاد الأخضر.. محلاها عيشة الفلاح
ايات احمدPlayer
«محلاها عيشة الفلاح متطمن قلبه مرتاح.. يتمرغ على أرض براح والخيمة الزرقا ساتراه»، أغنية كتبها الشاعر بيرم التونسي ولحنها الموسيقار محمد عبدالوهاب وغنتها أسمهان عام 1939.. صحيح أنها أطربت الآذان وقتذاك، لكنها أزعجت عقول أهل السياسة والوطنيين وأثارتهم لفترات طويلة، فهى ترسم صورة وردية للقرية والفلاح فى حين أن الواقع شديد القبح، وقتها كان الفلاح أقرب ما يكون لنظام السخرة والاستغلال بشكل فج.
◄ أولوية خاصة للاكتفاء الذاتى من القمح بنسبة 75 % خلال الـ10 سنوات المقبلة
◄ الدولة تتبنى خطة للوصول بالمساحات المستصلحة لـ4 ملايين فدان
◄ مركز البحوث الزراعية رقم 1 فى مصر والرابع عالميًا
صحيح أنه فى سنوات تالية حدثت محاولات لإصلاح أحوال الفلاح مثل صدور قرار الإصلاح الزراعي وتمليك الفلاحين الأراضي، لكن هذه المحاولات لم تنجح بالشكل الكافى او تستمر، فازداد الواقع سوءا فى الريف المصرى.. إلى أن جاءت سنوات تحمل ضمن طياتها الكثير من الخير، 10 سنوات من الإنجازات تحققت فيها نهضة زراعية شاملة فى الفترة من 2014 إلى 2024، انتصرت فيها الدولة المصرية والرئيس عبدالفتاح السيسي للفلاح وللريف المصري بعد سنوات طويلة من المعاناة والتهميش والإهمال.
◄ قطار التنمية
مشروعات تنموية كبرى وعملاقة تم تنفيذها وساهمت في تحقيق نهضة زراعية شاملة، واستمرار قطار التنمية الزراعية فى جميع ربوع مصر.. 10 سنوات يمكن اختصارها فى عبارة واحدة: «من زمن الفأس والمقطف إلى عصر الاقتصاد الأخضر».. لكن التفاصيل لا يمكن اختصارها أبدًا، فقد بُذل فيها الكثير من الجهد والتعب والاجتهاد، انتقلنا فيها من الأغانى والكلام إلى الأفعال الحقيقية.
تعد الزراعة من القطاعات الرئيسية في الاقتصاد المصري ووصلت الرقعة الزراعية فى 2023 لـ9.7 مليون فدان، بينما تبلغ المساحة المحصولية 17.5 مليون فدان.
وضعت مصر أولوية خاصة للاكتفاء الذاتى بنسبة 75% من القمح خلال السنوات العشر المقبلة، كما تعطى الحكومة الأولوية لزراعة 1.5 مليون فدان وهو مشروع ضخم يهدف إلى زيادة مساحة الأراضى المزروعة؛ كما تسعى لحفر أكثر من 1500 بئر جديدة بالصحراء الغربية لتحويل الصحراء إلى أراض صالحة للزراعة.
◄ المواسم
وتنقسم المواسم الزراعية في مصر لثلاثة مواسم: الشتوى والصيفي والنيلي، ويوجد كذلك المحاصيل الدائمة أو السنوية التى يمتد موسم إنتاجها إلى عام زراعى كامل مثل قصب السكر والفاكهة والأخشاب.
وفيما يتصل بالاستزراع السمكي فقد وصل الإنتاج السمكي لعام 2023 إلى 2 مليون طن مسجلا اكتفاء ذاتيًا بنسبة 85% من بينه 1.6 طن حصيلة ما أنتجته المزارع السمكية والبقية من الصيد فى البحرين المتوسط والأحمر، ونهر النيل، والبحيرات.
ويوفر قطاع المزارع السمكية 816 ألف فرصة عمل «منها 150 ألف فرصة عمل في سلاسل قيمة تربية الأحياء المائية و666 ألف فرصة عمل في المزارع السمكية»، وتبلغ مساحة الثروة السمكية البحرية في مصر حوالى 11 مليون فدان بالإضافة لمصايد البحيرات.
أما الإنتاج الداجنى فيعتبر من أهم الصناعات في قطاع الصناعات الغذائية وتواجه هذه الصناعة بعض التحديات من حيث توافر المزارع الداجنة عالية الجودة لزيادة الإنتاج، وبعد أن فقدت هذه الصناعة جزءا كبيرا من إمكاناتها بسبب أزمة إنفلونزا الطيور عام 2006 استطاعت أن تتعافى من تداعيات تلك الأزمة وأن تعود للاكتفاء الذاتي.
◄ اقرأ أيضًا | عيد الفلاح 2024| مشاريع جديدة ومبادرات كبيرة لتحسين أوضاع الفلاحين
◄ التوسع الأفقي والرأسي
ما حدث فى التوسع الأفقى والرأسى واستصلاح الأراضى غير مسبوق منذ عصر محمد على.. هكذا يقول علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضى، موضحا أن مساحة الأراضي الزراعية للموسم الزراعى 2022-2023 بلغت نحو 9.8 مليون فدان منها 6.1 مليون فدان من الأراضى القديمة، و3.7 مليون فدان من الأراضى الجديدة، ومن بين الأراضي الجديدة تمت إضافة نحو 2.5 مليون فدان فى عهد الرئيس السيسي في زيادة غير مسبوقة بتاريخ الزراعة بمصر، ما انعكس على كميات الإنتاج في المحاصيل الزراعية المختلفة، وأسهم في تأمين احتياجات مصر الغذائية، كما انعكس بالإيجاب على زيادة صادراتنا الزراعية التى قفزت إلى أرقام غير مسبوقة.
هذه المساحات الجديدة تتوزع فى مشروعات الدلتا الجديدة وتوشكى والريف المصري، وكذلك مشروعات القطاع الخاص والمستثمرين فى تلك المناطق وغيرها مما أدى إلى حدوث طفرة ضخمة فى الإنتاج الزراعى خلال المرحلة الماضية.. وهناك استراتيجية تتبناها الدولة للوصول بالمساحات المستصلحة لـ4 ملايين فدان خلال المرحلة المقبلة.
وفي مجال التوسع الرأسى تتم زراعة 9.8 مليون فدان من الأراضي، أما فيما يتعلق بزيادة معدل التكثيف الزراعى «زراعة أكثر من عروة فى نفس الأرض» فإن المساحة المحصولية ترتفع إلى نحو 17 مليون فدان سنويا، وهذه المساحة يتم أيضا مضاعفة إنتاجيتها من خلال زيادة معدلات إنتاجية الفدان الواحد فى المحاصل المختلفة..
وهناك محاصيل تحقق فعليا الآن الاكتفاء الذاتى وبها فائض للتصدير مثل الفاكهة والخضراوات، وهناك محاصيل ومنتجات تحقق الاكتفاء الذاتى فقط مثل الأزر، والذرة البيضاء، والذرة الرفيعة، والدواجن، وبيض المائدة، والألبان.. إلى جوار ذلك هناك محاصيل ومنتجات قاربت على تحقيق الاكتفاء الذاتى مثل المحاصيل السكرية بنسبة 90%، بالإضافة إلى الأسماك بنسبة تتراوح بين 85 و90%.
◄ البحث العلمي
وفق التصنيف الإسبانى الخاص بتقييم المراكز البحثية الزراعية فى العالم فإن مركز البحوث الزراعية هو رقم ١ فى البحوث الزراعية فى مصر ورقم ٤ عالميا.
الدكتور عادل عبدالعظيم، رئيس مركز البحوث الزراعية يقول: شهد المركز الكثير من الطفرات فى الآونة الأخيرة، تتمثل فى نمو ملموس بقطاعات ترتبط بتنمية الثروة الزراعية والحيوانية وأيضا السمكية، فالمركز أكبر جهة بحثية تطبق التنمية فى مجالات كثيرة تخص القطاع الزراعي.
ويضع المركز مخططا لكل معهد يتم تحديثه كل خمس سنوات وتعتبر جزءا من استراتيجية التنمية المستدامة وهى من الأهداف الأممية للتنمية المستدامة، فهناك تكامل بين أهداف مركز البحوث الزراعية مع أهداف التنمية الزراعية فى رؤية مصر 2030.
واستطاع المركز أن يحدث تطويرا إيجابيا خاصة فى الفترة الأخيرة فى الإنتاج الزراعى والحيوانى، وتضاعفت إنتاجيتها فى الفدان بفضل البحوث الزراعية، وقد مكن ذلك حصول مصر على ترتيب متقدم على مستوى العالم فى متوسط الإنتاجية، فمصر الآن رقم 1 فى إنتاجية الأرز والقمح ورقم 5 فى الذرة عالميا.
ويوضح: فى الماضى كنا نستنبط صنفا جديدا ولا يقبل عليه المزارع، وكنا نبذل جهدا كبيرا لإقناعه بفاعليته، أما الآن ومن خلال التجربة فى «الحقول الإرشادية» فقد حصل المركز على ثقة المزارع المصرى فى كفاءة الأصناف الجديدة التى ينتجها، لأنها تعطى أفضل إنتاجية من خلال تبنى الممارسات السليمة والأصناف الجديدة، وأصبح المزارع يرى على أرض الواقع أصنافا جديدة يشرف عليها باحثو المركز بشكل كامل فى جميع المراحل من الزراعة إلى الحصاد.
كما تم وضع استراتيجية لتعزيز وزيادة تنافسية الصادرات الزراعية المصرية، لتحقيق حلم الوصول إلى 100 مليار دولار وتستهدف رفع جودة المنتجات الزراعية المصرية المصدرة.
◄ زيادة الصادرات
وهنا نعود إلى علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضى الذى يقول: إن التصدير يجلب العملة الصعبة التى تساعد الدولة فى خطط التنمية الصناعية وتوفير مستلزمات الإنتاج خاصة بعد جهود الدولة فى زيادة الرقعة الزراعية والتى تسمح بتحقيق فائض للتصدير، علاوة على أهمية التصنيع الزراعى فى تحقيق قيمة مضافة وتوفير فرص عمل.
وإجمالى الصادرات الزراعية فى النصف الأول من العام الحالى، وصل إلى 4.9 مليون طن بزيادة قدرها 300 ألف طن عن العام السابق، كما أن القيمة الدولارية للسلع الزراعية الطازجة المصدرة للسلع الرئيسية تقدر بنحو 2.9 مليار دولار بزيادة قدرها 600 مليون دولار فى نفس الفترة من العام الماضى.
واتخذت مصر عدة خطوات نحو التوجه للاقتصاد الأخضر من خلال مبادرة حياة كريمة وتنمية الريف المصرى وتوفير مياه صالحة للشرب والصرف الصحى بالقرى الأكثر احتياجا، كما عملت على تبنى استراتيجية تتناسب مع رؤية 2030 وتنفيذ استراتيجية متكاملة تتناول الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والبيئية للتنمية المستدامة، وتبطين الترع بهدف تحسين جودة الرى والبيئة وجودة المنتج والمحافظة على الصحة العامة.
◄ التحول لـ«الأخضر»
يقول الدكتور عبدالوكيل أبوطالب، مدير معهد الاقتصاد الزراعى: إن الدولة تحرص على استهداف مضاعفة نسبة الاستثمارات العامة الخضراء من 15% عام 20/2021، لتصبح 50% بنهاية عام 24/2025، ووضع أولوية فى تمويل الـمبادرات والمشروعات الاستثمارية الخضراء، وذلك فى إطار رؤية وتوجهات الحكومة للتعافى الأخضر، وليكون لمصر السبق فى منطقة الشرق الأوسط فى مجال تخضير خطة الدولة.
وقد بدأت مصر فى التوجه نحو التحول للاقتصاد الأخضر كإحدى السبل الهامة والرئيسية فى خطط التنمية الشاملة، وذلك من خلال تنفيذ العديد من المشروعات التى تتناسب مع الأولويات الاقتصادية والبيئية للدولة، الاقتصاد الأخضر هو واحد من أهم الأدوات المتاحة لتحقيق التنمية المستدامة لأنه يؤدى إلى تحسين حالة الرفاهية والإنصاف الاجتماعى، مع العناية فى الوقت نفسه بالحد من المخاطر البيئية.
وبذلت مصر جهودها للانتقال إلى التمويل المستدام والأخضر، مع عدد من الممارسات الجيدة فى آليات التمويل المختلفة، وتتمثل أهم المشروعات الخضراء بمصر، فى محطات تحلية مياه البحر، محطات معالجة النفايات، وأنظمة الرى الحديث، وإعادة تأهيل (تبطين) الترع، ومشروع حماية السواحل، شبكة مترو الأنفاق، شبكة السكك الحديدية والخطوط الكهربائية، محطات توليد طاقة الرياح، محطات توليد الطاقة الشمسية.. وتصل التكلفة الإجمالية والاستثمارات المستهدفة لدعم الاقتصاد الأخضر فى مصر لنحو 14.7 مليار دولار.