أشرف محمدين يكتب:-لا تحزن عند الصدمات… فهي الصفعة التي توقظ الحقيقة


في لحظة صمت مفاجئة، أو كلمة قاسية، أو موقف غير متوقع، تأتي الصدمة. تهزك، تزلزل ثقتك، تُفقدك توازنك للحظات… وربما أيام. و قد تمتد لشهور لكن، هل تساءلت يومًا: ماذا لو لم تأتِ هذه الصدمة؟ كم من الوقت كنت ستظل مخدوعًا؟ كم من الطُرق كنت ستسلكها وأنت تسير بثقة نحو هاوية خفية؟
الصدمة، مهما كانت مؤلمة، قاسية، موجعة… إلا أنها في حقيقتها هدية. لكنها ليست من النوع الذي نفرح به لحظة استلامه، بل من النوع الذي نُدرك قيمته بعد أن نلملم كرامتنا، ونغسل قلوبنا من خيباتها، وننظر للخلف ونقول: “الحمد لله إنها حصلت.”
الصدمات تكشف، تُعري الحقيقة، وتُزيل قناعًا كنا نُصر على تصديقه. هي المِرآة التي نراها رغمًا عنا، فتكشف ما رفضنا رؤيته مرارًا، بحسن نية أو ضعف أو أمل زائد.
نعم، قد تكون الصدمة خيانة من صديق، أو سقوط قناع لحبيب، أو خذلان ممن توقعت منه السند. لكنها رغم قسوتها صادقة. لا تجامل، لا تُنافق، لا تؤجل. تضعك وجهًا لوجه أمام الواقع، وتُخرجك من وهمٍ كنت تحياه بكل صدق.
ولو تأملت لحظة الصدمة ستجدها بداية التحول. بداية الوعي. بداية التصالح مع نفسك. فالحقيقة حتى لو كانت مرّة، خير من الوهم حتى لو كان مُسكرًا. لأن الاستمرار في خديعة، هو استمرار في هدر العمر.
فكر معي قليلًا: كم مرة قلت بعدها “أنا اتعلمت الدرس”؟ كم مرة أغلقت بابًا، لا لأنه كُسر، بل لأنك أدركت أنه لم يكن يليق بك؟ كم مرة اكتشفت أن خسارتك لم تكن خسارة فعلية بل نجاة من عبءٍ لم تره من قبل؟
إن أخطر ما في الصدمات، ليس ألمها، بل كيف نراها. من يراها “نهاية” سيغرق في الحزن، ومن يراها “درسًا” سينهض منها أقوى. وحده الناضج من يُدرك أن الألم معلمٌ عادل، لا يتركنا كما نحن.
الصدمة في جوهرها ليست عدوًا. بل صديقة مؤقتة، تأتي بلا دعوة، تؤلمنا، ثم ترحل… تاركة وراءها وعيًا جديدًا، ونظرة أكثر اتزانًا، وخبرة لا تُشترى.
لذا، لا تحزن إذا جاءك من تحب بطعنات، أو خذلك من وضعت ثقتك فيه. لأنك اليوم ترى بوضوح، وتفهم أكثر، وتُدرك أنك تستحق أفضل.
ولأنك كنت صادقًا، لن تُعاقب بالحزن، بل ستُكافأ بنور داخلي… وطمأنينة لا يفهمها من لم يَصدم بعد.
فلا تلعن الصدمة، بل اشكرها… لأنها منحتك الحقيقة على طبق الألم.
وفي الختام…
إذا كانت الصدمة قد هزّتك، فلا تسمح لها أن تُوقفك. استوعبها، تعلم منها، ثم انهض. الحياة لا تتوقف عند سقوط قناع، بل تبدأ حين تسير بلا أقنعة.
لا تحقد، لا تندم، لا تلتفت كثيرًا إلى الخلف. فقط سر للأمام وأنت أقوى، أنضج، أصدق.
فمن نجا من خديعة، يستحق حياة أوضح… ومن صُدم بصدق، حتمًا سيُكافأ بصدق اجمل