السبت 2 أغسطس 2025 06:15 مـ 7 صفر 1447هـ
أخبار مصر 2050
  • رئيس التحرير التنفيذي مها الوكيل
  • مستشار التحرير د. عبد الرحمن هاشم
المقالات

أشرف محمدين يكتب.. الغيرة بين الأزواج في النجاح في العمل - بين الهدم والبناء

أشرف محمدين
أشرف محمدين

الغيرة بين الأزواج ليست دائمًا دلالة على الحب العميق، بل قد تعكس مشاعر أخرى تحتاج إلى وعي وتفهّم واحتواء ناضج. ففي بعض الأحيان تتحول الغيرة من النجاح المهني لأحد الطرفين إلى شعور متسلل بالتهديد أو النقص، وتبدأ العلاقة في فقدان توازنها، لا بسبب النجاح نفسه، بل بسبب غياب النضج العاطفي الذي يستطيع احتواء هذا النجاح وتوظيفه في خدمة الشراكة
النجاح في العمل ليس مسألة شخصية فقط، بل هو في العلاقات المتزنة مكسب مشترك ولكن في كثير من الزيجات يتحول هذا النجاح إلى مرآة مشوهة يرى فيها الطرف الآخر انعكاسًا مؤلمًا لنقصه أو تعثره وقد يشعر الزوج أن زوجته وقد تألقت في محيطها المهني بدأت تنسحب معنويًا من ظله أو أن حضورها أصبح طاغيًا يُشعره بالهامشية. في المقابل قد تشعر الزوجة بأن زوجها الناجح بات بعيدًا، يملأه زهو الإنجاز، بينما تنكمش هي في دور أقل تقديرًا أو وضوحًا، فتبدأ المقارنات، ويبدأ الغضب الصامت
لكن الغيرة، في جوهرها، ليست شرًّا مطلقًا. هناك غيرة تُوقظ العزائم وتُشعل الطموحات وتدفع الإنسان لأن يكون أفضل هذه الغيرة الإيجابية تُثمر دعمًا متبادلًا، وتُعزّز الشراكة. أما الغيرة السلبية فهي تلك التي تنمو في غياب الثقة، وتتغذى على الشعور بالدونية، وتُحوّل العلاقة إلى ساحة صراع مكتوم، فيه كل نجاح يُقابَل بشك، وكل إنجاز يُنظَر إليه كتهديد لا كفرصة للنمو المشترك
وتبلغ الغيرة ذروتها السلبية حين تصبح قاتلة حين يتوقف أحد الطرفين عن تشجيع الآخر، لا بل يبدأ في تقويضه، أو التقليل من شأنه، وربما حتى إفشاله سرًا أو علنًا لا لشيء إلا لأنه لم يحتمل أن يرى النور في يد من يحب حينها يتحول الزواج من مأوى ومأمن إلى حلبة تنافس وتنافر فيها كل طرف يراقب الآخر لا ليفرح له ولا بل ليحسب خطواته
والحل؟ أول ما يحتاجه الأزواج هو الصراحة. الحديث الهادئ العميق الذي يعترف فيه كل طرف بمشاعره، دون تجميل ولا إنكار. لماذا أشعر بالغيرة؟ هل لأنني أشعر بالتجاهل؟ أم لأنني لم أحقق ما كنت أحلم به؟ أم لأنني أخاف من فقدان من أحب؟ هذه الأسئلة الصادقة هي أول الطريق نحو التعافي
ثم يأتي الدعم. أن نتعلّم أن نجاح شريك الحياة هو امتداد لنجاحنا، وأن كل إنجاز له هو في مصلحتنا نحن كعائلة. أن نحضر معه في لحظات تألقه، لا كمراقبين متحفظين، بل كصنّاع ظلٍّ جميلٍ يُظهِر الضوء، لا يخنقه
في هذا السياق، يلعب الدين دورًا محوريًا. فقد دعا الإسلام إلى المودة والرحمة، لا إلى الغيرة والصراع. وقد شدد النبي ﷺ على أن شكر الناس هو من شكر الله، أي أن الامتنان والاعتراف بمجهود الشريك هو عبادة في ذاته، تُعلي من قيمة العلاقة وتُطهّرها من المشاعر المسمومة
الغيرة، إذا نُظِر إليها بوعي، تصبح أداة للفهم وليس للهدم. وهي فرصة لمراجعة النفس في لا لمحاكمة الآخر. وما أجمل أن تتحول الغيرة إلى طاقة بناء، إلى منافسة في الدعم، إلى حافز يجعل كل طرف يفكر - كيف أكون عونًا لك، لا عائقًا أمامك؟ كيف يكون نجاحك امتدادًا لي، لا انفصالًا عني؟”
وفي زمن تتعرض فيه العلاقات لضغوط لا حصر لها، من تسارع الحياة، وتداخل الأدوار، وتضخّم التوقعات، تصبح الغيرة من النجاح المهني واحدة من تلك التحديات التي تحتاج من الأزواج وعيًا متجددًا، وتفهمًا عميقًا لطبيعة الشراكة. فالنجاح ليس مادة للمقارنة، بل دعوة للتكامل.
الغيرة لا يجب أن تكون سكينًا يُغرس في صدر العلاقة، بل مرآة نُراجع فيها أنفسنا، ونتعلّم كيف نحب دون شروط، وندعم دون تردد، ونفرح بإنجاز من نحب وكأن الإنجاز لنا. وحين نبلغ هذه الدرجة من النضج، نصبح شركاء حقيقيين، لا متنافسين. ونتحول من مجرد أزواج تحت سقف واحد إلى فريق يسير بقلب واحد نحو نجاح مشترك، تنعكس آثاره على البيت، والأبناء، والحياة بأكملها
في النهاية، لا شيء يُهدد العلاقة الزوجية مثل الغيرة المهنية الخفية… تلك التي لا تُقال، لكنها تُشعر.
حين يتحول نجاح أحد الطرفين إلى مرآة تُظهر للآخر ما لم يُنجزه، تتحول كلمات الدعم إلى مجاملات باهتة، والصمت إلى استياء مقنع.
لكن الحقيقة الأعمق أن النجاح لا يُقاس بسبق أو تأخّر، بل بمساحة القلب التي نمنحها للآخر كي يُحلّق، دون أن نخاف أن يُحلّق بعيدًا عنا
العلاقة التي تبنى على الحب فقط قد تهتز أمام نجاحات غير متوازنة… أما العلاقة التي تبنى على النضج، على الفخر المتبادل على الإيمان بأننا فريق لا خصمان - فهي التي تصمد
فيا من أحببت، لا تتركني وحدي في ميدان النجاح، ولا تُربكني بذنب طموحي -
إما أن نفوز معًا أو نخسر كل شيء

الغيرة الأزواج الام مقالا اشرف محمدين اشرف محمدين

مواقيت الصلاة

السبت 06:15 مـ
7 صفر 1447 هـ 02 أغسطس 2025 م
مصر
الفجر 03:37
الشروق 05:15
الظهر 12:01
العصر 15:38
المغرب 18:48
العشاء 20:15