السبت 20 سبتمبر 2025 03:21 مـ 27 ربيع أول 1447هـ
أخبار مصر 2050
  • رئيس التحرير التنفيذي مها الوكيل
  • مستشار التحرير د. عبد الرحمن هاشم
المقالات

اشرف محمدين يكتب/-الغفران في الزواج – فن النجاة النبيل

أخبار مصر 2050

في كل علاقة بين رجل وامرأة، هناك محطات مؤلمة، لحظات تَعرُج فيها الخطى، وتختنق فيها الكلمات، وتغدو المشاعر كأنها في مأزق… وهنا، لا يصلح القانون ولا يُجدي المنطق، إنما يطل الغفران كقارب نجاة، يُعيد للروح اطمئنانها، وللقلب دفقته الأولى.

الغفران لا يعني ضعفًا ولا استسلامًا، بل هو تمرين شاق على الحب الناضج. أن تغفر يعني أنك تتجاوز عن ألمك من أجل قيمة أسمى - من أجل من تحب، ومن أجل نفسك أيضًا. هو ليس تنازلًا عن كرامة، بل تمسّك بجوهر أرقى من الانتصارات المؤقتة. فأن تختار الغفران، يعني أن تختار الاستمرار، وأن تعيد للبيت روحه بعد كل عاصفة.

الغفران ليس ترفًا، بل ضرورة. لأننا لسنا ملائكة، نُخطئ ونُقصّر، نقول ما لا نعني ونفعل ما لا ينبغي. فما من زوج ولا زوجة إلا وحمل في لحظة ما جُرحًا من الآخر. والقلوب الكبيرة لا تُبنى على الكمال، بل على القدرة على الترميم، والنية في الإبقاء.
بل إن الغفران يُشبه إعادة طلاء جدران البيت بعد كل شتاء قاسٍ… يُجدد دفء العلاقة، ويُزيل صدأ العتاب، ويفتح شبابيك الحنان من جديد. ويعيد ترتيب الأرواح كما نُعيد ترتيب الأثاث في محاولة لخلق مساحة أوسع للتفاهم.

في الزواج، الغفران ليس لمرة واحدة. هو ثقافة يومية. يغفر أحدهم نسيان الآخر لاحتفال صغير، ويغفر الثاني نظرة غضب أو صمت طويل. فنحن لا نغفر فقط عند الكوارث، بل عند الانكسارات الصغيرة التي تتراكم إن لم نحتوِها. فالقلب يُخدش مرارًا، لا بضربة واحدة، بل بخدوش متكررة من الإهمال أو سوء الفهم أو حتى من الصمت الطويل.
لكن الغفران لا يُبنى على التجاهل، بل على الحوار. على أن يعترف المخطئ بخطئه، ويطلب السماح بصدق، دون كبرياء ولا تبرير. كما أن الغافر يجب ألا يُذكّر ولا يُهين، بل يُقدم غفرانه كهدية نُبل، لا كسلاح تهديد. لأن التذكير المتكرر بالخطأ يُميت الحب، أما الغفران الصادق فيُنعشه.

والغفران الحقيقي لا يعني أن نُبرّر الخطأ، بل أن نتجاوزه برقيّ. أن نُمسك يد الشريك ونقول له: “أنا لا أنسى، لكنني اخترت أن أحبك أكثر من وجعي”. وهذا القرار لا يتخذه إلا القويّ… القوي في قلبه، القوي في إيمانه بأن الحب يستحق فرصة ثانية وثالثة وألف. فالحب الحقيقي لا يقف عند أول عثرة، بل يتعلم منها كيف ينهض من جديد.
وما أجمل أن يكون الغفران متبادلا - أن يشعر الطرفان أن العلاقة ليست ساحة قتال على الحق، بل حضن دافئ للخطايا الصغيرة التي نرتكبها بحكم إنسانيتنا. حينها، يتحول الغفران إلى لغة مشتركة، إلى جسر عبور بين لحظات الخيبة وفضاءات الأمل.

الغفران في الزواج ليس فقط بقاء، بل إحياء. ليس فقط تَحمّلًا، بل احتواء. هو أن تقول للآخر: “أنا أراك في ضعفك كما في قوتك، وأحبك في كل حالاتك”. أن تمنحه شعور الأمان، لا الخوف من المحاسبة المستمرة. أن تكون له وطنًا لا محكمة.

وفي هذا الزمن السريع، المليء بالضغوط والتوقعات، أصبحت العلاقات الزوجية هشّة، تتكسر عند أول صدمة، ويُصبح الفراق أسهل من مواجهة الألم. وهنا، يصبح الغفران ثورة مضادة لهذا التسرّع، انتصارًا على النزق ورسالة بأن الحب ما زال بإمكانه أن يكون ناضجًا، مسؤولًا . شامخًا. الحب الذي يغفر لا يشيخ، بل ينضج ويتوهّج.
بل إن الغفران حين يُمارَس بصدق، يتحوّل من مجرد رد فعل على خطأ إلى أسلوب حياة. يُعلّم الأبناء كيف يحبون، ويترك في البيت عبقًا لا يُمحى من المودة والسكينة. الغفران يُربّي أيضًا - لا فقط شريكك، بل أبناءكما، والمجتمع من حولكما.

وفي النهاية - دعونا لا ننسى أن الغفران لا يُمارَس فقط أثناء العلاقة، بل بعدها أيضًا. فحتى إن انتهى الزواج، يظل كتم الأسرار، والدعاء للخير، والصفح عن الماضي… أمانة أخلاقية عظيمة. لأن من أحب بصدق، لا يُنكر المعروف، ولا يُحرق الجسور. الحب النقي لا يتحول إلى كراهية، بل إلى دعاء صامت وذكرى دافئة في وجدان ناضج.
الغفران ليس فقط بقاء في العلاقة بل هو ارتقاء في الإنسان. وإذا أحببت بحق، فلا تجعل من الزلات مقصلة، بل فرصة لترميم القلب وبناء بيت من الطيبة والنية الحسنة والرغبة في أن نُكمل الطريق بقلوب أخف، وصدور أرحب.

وإن تأملنا بصدق، سنجد أن الغفران في الزواج ليس مجرد فعل لحظة، بل هو فلسفة حياة. هو ما يحدد إن كانت العلاقة ستبقى عابرة أم ستتحول إلى حكاية أبدية تُروى عبر الأجيال. هو الامتحان الأصعب لأنه يتحدى غرور الإنسان وحبه لذاته، ليضعه أمام خيار أن يكون إنسانًا أكبر من جرحه. وحين يختار المرء الغفران، فإنه يختار أن يُحب مرة أخرى بنفس الروح الأولى، وكأن الزمن لم يترك ندبة في قلبه.
إنه إعلان واضح أن الحب مهما قست عليه الظروف يمكن أن ينتصر إذا حماه الغفران وإن أجمل صورة للزواج ليست في بدايته المبهجة ولا احتفالاته الباذخة، بل في تلك اللحظة التي يجلس فيها زوجان بعد سنوات طويلة وقد مرا بكل ما يمر به البشر من خيبات وأخطاء ومع ذلك ينظر كل منهما للآخر بالحب ذاته، وربما بحب أعمق، لأنه صار ناضجًا مغسولًا بالغفران

مواقيت الصلاة

السبت 03:21 مـ
27 ربيع أول 1447 هـ 20 سبتمبر 2025 م
مصر
الفجر 04:15
الشروق 05:42
الظهر 11:49
العصر 15:17
المغرب 17:55
العشاء 19:13