تحذيرات من فقاعة الذكاء الاصطناعي.. خسائر متوقعة بعشرات التريليونات ومخاوف من أزمة عالمية جديدة.
لا يكاد يخلو حديث لرؤساء البنوك الاستثمارية الكبرى أو كبار المحللين والباحثين في المؤسسات المالية وشركات الاستشارات حالياً من الإشارة إلى احتمال التصحيح الكبير في الأسواق أو ربما الانهيار. وإن كان يصعب على أكثرهم مهارة أن يتوقع تحديداً متى يحدث هذا الانقلاب في السوق.
LIVE An error occurred. Please try again later
Tap to unmute Learn more
يعترف الجميع بأن هناك مغالاة كبيرة في قيمة الأصول، وفي مقدمتها الأسهم، تشير إلى غليان فقاعة كبيرة ينذر انفجارها بأزمة محتملة لن تقتصر على الأسواق الكبرى مثل "وول ستريت" في نيويورك، بل سيتردد صداها في العالم كله.
يميل المستثمرون، بخاصة من يتعاملون في الأسواق، إلى الإقبال على الشراء كلما ظهرت تكنولوجيا جديدة، وعلى مدى القرنين الماضيين شهد العالم فقاعات تكنولوجية متكررة مع كل تطور تكنولوجي يؤدي إلى حمى غليان في السوق، وغالباً ما تبع ذلك تصحيح هائل أو انهيار.
بنهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي شهدت الأسواق ما عُرف بانفجار "فقاعة دوت كوم" إثر مضاربات المستثمرين على أسهم شركات التكنولوجيا الناشئة وضخ المليارات فيها من دون أن تكون هناك أصول حقيقية، على أمل الاستفادة من الابتكار الجديد بتحقيق العائدات والأرباح الكبيرة والسريعة.
الآن، يشبّه كثيرون ما يحدث في السوق في شأن شركات الذكاء الاصطناعي بحال الغليان التي سبقت انفجار فقاعة "دوت كوم". وتزيد المخاوف من أن أي تصحيح مقبل في الأسواق التي تواصل الارتفاع القوي منذ فترة طويلة الآن سيكون هائلاً وربما يصل إلى حد الانهيار. وإذا انفجرت فقاعة الذكاء الاصطناعي ستكون الخسائر أكبر من خسائر انفجار فقاعة "دوت كوم" وتصل إلى عشرات تريليونات الدولارات.
أوجه الشبه القوية
هناك أسباب قوية تدفع غالب الاقتصاديين والمعلقين والمستثمرين والمحللين نحو تصوّر أن الوضع الحالي يشبه ما سبق انفجار فقاعة "دوت كوم".
خلال العقد الأخير من القرن الماضي أقبل المستثمرون على أسهم شركات الإنترنت الجديدة مثل "سيسكو" و"ياهو" وغيرها من الشركات التي ينتهي اسمها بـ"دوت كوم".
كان رهان المتعاملين في الأسهم والممولين أن الانتشار الواسع جداً للإنترنت حول العالم سيجعل تلك الشركات عالية الربحية وتنافس الجميع على اغتنام الفرصة.
في الربع الأول من عام 2000 وصل حجم مؤشر "أس أند بي 500" للشركات الأميركية الكبرى إلى نسبة 124 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي كله وقتها. وكان السبب في تلك الزيادة الهائلة هو الارتفاع المبالغ فيه للقيمة السوقية لأكبر خمس شركات تكنولوجية على المؤشر، والتي وصلت قيمتها السوقية وقتها إلى تريليوني دولار.
اقرأ المزيد
ثم انفجرت الفقاعة مع بداية القرن الحالي وانهارت قيمة أسهم شركات التكنولوجيا وفقدت 76 في المئة من قيمتها، وهوت قيمة مؤشر "أس أند بي 500"، التي كانت فاقت حجم الاقتصاد كله، بنسبة 53 في المئة، واحتاج المؤشر ما يصل إلى 20 عاماً ليعود إلى قرب مستوياته السابقة.
توجد أوجه شبه قوية بين فورة "دوت كوم" وفورة الذكاء الاصطناعي تجعل الغالبية يتوقعون تصحيحاً كبيراً أو انهياراً، فمنذ إطلاق تطبيق الذكاء الاصطناعي "تشات جي بي تي" عام 2022، ارتفعت قيمة الأسهم الأميركية بنسبة 71 في المئة. وبنهاية الربع الثاني من هذا العام 2025 كان حجم مؤشر "أس أند بي 500" بحساب القيمة السوقية وصل إلى نسبة 175 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، أي كاد يصل إلى ضعف حجم الاقتصاد كله.
واصلت أسهم شركات التكنولوجيا الارتفاع الكبير مدفوعة بحمى الذكاء الاصطناعي، ففي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وصلت القيمة السوقية لشركة "إنفيديا" التي تنتج الرقائق الإلكترونية للذكاء الاصطناعي إلى خمسة تريليونات دولار. وتشير تقارير صحافية إلى أن شركة "أوبن أي آي" التي أطلقت تطبيق "تشات جي بي تي" تنوي طرح أسهمها والتسجيل في السوق بقيمة طرح أولي للأسهم تجعل الشركة تساوي تريليون دولار.
كم يخسر المستثمرون؟
كل ذلك دفع مجلة "الإيكونوميست" إلى إعداد مجموعة من الجداول والرسوم البيانية التي تحاول تقدير ما يمكن أن يخسره المستثمرون في حال انفجار فقاعة الذكاء الاصطناعي، وإن كانت الجداول والرسوم والبيانات والأرقام اعتمدت على السوق الأميركية، إلا أن التصحيح الكبير أو الانهيار لن يقتصر على الولايات المتحدة، بل يمكن أن يهز النظام المالي العالمي كله.
أما أميركياً، فالانهيار في السوق سيكون أثره أكبر على المواطنين الأميركيين، فعلى مدى ربع القرن منذ أزمة "دوت كوم" اتسعت قاعدة المستثمرين الأفراد في أسواق الأسهم، إذ أصبح من السهل على أي مواطن دخول السوق عبر تطبيقات كثيرة سهلة وسريعة على الهواتف الذكية، وهكذا ارتفع نصيب الأسر العادية من حجم السوق بشكل كبير.
يضع الأميركيون 42 تريليون دولار، أو نسبة 20 في المئة من إجمالي ثروتهم كلها، في أسواق الأسهم، وذلك بزيادة بنسبة 4 في المئة عما كان عليه نصيب الأسر والأفراد من حجم السوق وقت انهيار "دوت كوم" عام 2000. في المقابل، يملك المستثمرون الأجانب نحو 18 تريليون دولار من سوق الأسهم الأميركية.
في حال حدوث تصحيح مثل ذلك الذي حدث قبل ربع قرن مع انفجار فقاعة "دوت كوم" فإن ذلك سيمحو ما نسبته 8 في المئة من ثروة الشعب الأميركي، إذ يشير نموذج المجلة إلى خسارة الأميركيين المتعاملين في السوق مع انهيار الأسهم ما يصل إلى 16 تريليون دولار.
ولا تشمل الخسارة المحتملة الأصول غير المباشرة مثل استثمار الأميركيين في صناديق معاشات التقاعد أو شركات التأمين على الحياة، والتي تصل قيمة استثمارات الأسر والأفراد فيها إلى 20 تريليون دولار.
بينما سيخسر المستثمرون الأجانب في سوق الأسهم الأميركية ما يصل إلى 7 تريليونات دولار مع أي تصحيح كبير أو انهيار، أي أن تصحيحاً في الأسواق شبيهاً بتصحيح عام 2000 سيعني تبخر 23 تريليون دولار على الأقل من القيمة السوقية للأسهم الأميركية وحدها، فضلاً طبعاً عن أن تردد صدى الانهيار في بقية أسواق العالم سيعني تبخر تريليونات الدولارات الإضافية.
التأثير الأوسع لتصحيح السوق
ربما يكون تبخر تلك التريليونات من القيمة السوقية للأسهم المبالغ في تقييمها أصلاً علامة صحية للأسواق التي تتخلص من غليان قيمة الأصول، حتى لو تطلب الأمر سنوات من الارتفاع التدريجي للعودة إلى مستوياتها السابقة.
إنما الخسائر لن تقتصر على عشرات تريليونات الدولارات التي تمثل قدراً كبيراً من ثروة الأميركيين وغيرهم من المتعاملين في الأسواق حول العالم، فالهبوط في أسواق الأسهم يؤدي إلى تراجع الإنفاق بشكل عام في جوانب الاقتصاد.
تشير إحدى الدراسات إلى أن كل انخفاض في قيمة الأسهم بمقدار 100 دولار يؤدي إلى انخفاض إنفاق المستهلكين بمقدار 3.2 دولار. وباعتماد ذلك النموذج فإن تصحيحاً في السوق يماثل انفجار فقاعة "دوت كوم" سيعني انخفاض الإنفاق الاستهلاكي الأميركي بما يقارب التريليون دولار (890 مليار دولار)، أي انكماشاً بنسبة 2.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
مما يجعل الاقتصاديين والمحللين يرون الاحتمالات قريبة جداً مما حدث قبل ربع قرن هو نصيب الشركات الكبرى، والتكنولوجيا منها بخاصة، من الحجم الإجمالي لمؤشرات الأسهم.
في عام 2000، قبل انفجار فقاعة "دوت كوم"، كانت أكبر 20 شركة على مؤشر "أس أند بي 500" تشكل 39 في المئة من الحجم الإجمالي للمؤشر، وكانت 11 شركة منها شركات إنترنت أو لها علاقة بالإنترنت.
والآن، تشكل أكبر 20 شركة على المؤشر نسبة 52 في المئة من حجمه الإجمالي، أكثر من نصفها شركات ذكاء اصطناعي أو مرتبطة بالذكاء الاصطناعي مثل "إنفيديا".
وإذا فشلت تلك الشركات في توفير العائدات والأرباح الكبيرة والسريعة للمستثمرين والممولين، سيبدأ هؤلاء في التخلص من أسهمها ويحدث التصحيح الكبير أو الانهيار، ومعه تنهار القيمة السوقية لتلك الشركات ويخسر المستثمرون من صناديق ومؤسسات وأفراد عشرات تريليونات الدولارات، ويتردد صدى ذلك في كل جوانب الاقتصاد، ليس الأميركي فحسب، بل العالمي كذلك.










