اشرف محمدين يكتب:-الخِذلان - حين يسقط الأمان من حيث لا نتوقع
الخِذلان - حين يسقط الأمان من حيث لا نتوقع
الخِذلان ليس مجرد موقفٍ عابر، ولا لحظة ضعفٍ تنتهي بانتهاء الحدث، بل هو شرخٌ عميق في الروح، يحدث حين نضع قلوبنا في يد من ظنناهم أمانًا، فيُسلمونها للخذل دون أن يرتعش لهم جفن. هو ذلك الألم الصامت الذي لا يصرخ، لكنه يغيّرنا إلى الأبد.
الخذلان لا يأتي من الغرباء، فالغريب لا ننتظر منه شيئًا. الخذلان الحقيقي يولد من القرب، من الثقة، من تلك المساحة الآمنة التي فتحناها بقلوبنا، لا بعقولنا. يأتي ممن كنا نظنهم ظهرنا وقت الانكسار، فإذا بهم أول من يدير ظهره لنا حين نحتاجهم.
أقسى ما في الخذلان أنه لا يوجع مرة واحدة، بل يعيد نفسه في الذاكرة ألف مرة. تستعيد الكلمات، المواقف، الوعود التي قيلت بنبرة صادقة، ثم تكتشف أنها كانت أخف من أن تصمد أمام أول اختبار. حينها لا تنكسر ثقتك بالآخر فقط، بل تهتز ثقتك بنفسك:
كيف لم أنتبه؟ كيف صدّقت؟ كيف راهنت بقلبي؟
اقرأ أيضاً
أول تعليق لـ إيرينا يسري بعد شائعات ارتباطها بـ مصطفى أبو سريع: «ليس لي أي علاقة بخصوصيات الغير»
حنان ترك تكسر صمتها بعد غيابها عن الزفاف وتوجه رسالة لآدم وزوجته
بعد إعلان رحيلها.. تعرف على موعد ومكان جنازة الفنانة سمية الألفي
رحيل الفنانة سمية الألفي عن 72 عاما
11 حالة انفصال في الوسط الفني خلال 2025 أبرزهم السقا وكريم محمود عبدالعزيز
هجوم جماهيري على ياسمين عز بسبب تصريحاتها الأخيرة عن الفنان محمد صبحي
تصعيد غير مسبوق.. الحريديم يهاجمون حافلة جنود خلال مواجهات فى القدس
فيفا يستقر على ملعب نهائي كأس العالم 2030
بيان صحفي بمناسبة زيارة الفريق أول ركن/ عبّد الفتاح البرهان رئيس المجلس السيادي الانتقالي السوداني
منتخب مصر يتفوق على منافسيه بفارق 28.5 مليون يورو في كأس الأمم الإفريقية.
موعد ومدة إجازة نصف العام لصفوف النقل والإعدادية
شوربة الدجاج في الشتاء.. كيف تؤثر على جسمك عند تناولها يوميًا؟
الخِذلان ليس أن يرحل أحدهم فحسب، بل أن يبقى حاضرًا بجسده، غائبًا بروحه. أن ترى ملامحه كل يوم، لكنك لا تجد فيه الشخص الذي أحببته. أن تتحول العلاقة من دفءٍ إلى واجب، ومن شغفٍ إلى روتين، ومن احتواءٍ إلى صمتٍ بارد.
بعض الخذلان لا يكون مقصودًا، لكنه لا يقل وجعًا. حين يُهملك من وعدك بالحضور، حين يتغير دون تفسير، حين تتبدل أولوياتك في حياته دون أن يخبرك. الخذلان أحيانًا لا يكون طعنة، بل انسحابًا بطيئًا يتركك تنزف وحدك.
والأخطر من الخذلان ذاته، هو ما يتركه خلفه. يجعلك أكثر حذرًا، أقل اندفاعًا، أشد تحفظًا. يُطفئ فيك شيئًا جميلًا: العفوية، الثقة السهلة، الإيمان بأن القلوب قد تكون صادقة دون حسابات. بعد الخذلان، لا نعود كما كنا، حتى وإن سامحنا.
هناك خذلان يُعلّمك، وهناك خذلان يُدمّرك. الأول يجعلك أنضج، أقرب لنفسك، أصدق في اختياراتك. أما الثاني، فيسرق منك الإحساس، ويجعلك تعيش بنصف قلب، خوفًا من تكرار الألم. والفرق بينهما ليس في قوة الخذلان، بل في قدرتك على النجاة منه.
الخِذلان الحقيقي لا يحتاج اعتذارًا، لأن بعض الجراح أعمق من أن تُداوى بكلمة. ما يحتاجه هو اعتراف داخلي: أن ما حدث لم يكن خطأك، وأن طيبتك ليست ضعفًا، وأن الثقة ليست جريمة. الخذلان يقول أكثر عن فاعله مما يقول عن ضحيته.
قد لا نستطيع منع الخذلان، لكنه يمنحنا درسًا قاسيًا:
أن نُحب دون أن نُلغِي أنفسنا،
أن نثق دون أن نُسلم رقابنا،
وأن نفهم أن بعض القلوب لا تعرف قيمة ما بين يديها… إلا بعد أن تفقده.
الخذلان يوجع، نعم…
لكنه أيضًا يُعرّفك على نفسك من جديد،
ويُخبرك بوضوح:
من يستحق البقاء، ومن كان وجوده مجرد محطة ألم في طريق النضج
الخذلان ليس حدثًا عابرًا، ولا موقفًا يُطوى مع الأيام، بل زلزالٌ صامت يضرب الداخل، ويُغيّر تضاريس الروح إلى الأبد. أقسى ما في الخذلان أنه يأتي ممن ظننتهم أمانًا، ممن وضعت في أيديهم قلبك دون حساب، وراهنت عليهم في زمن كانت فيه الرهانات خاسرة إلا من رحم الله. الخذلان لا يكسر الثقة في الآخر فقط، بل يهزّ ثقتك بنفسك، في اختياراتك، في قدرتك على التمييز، وفي سلامة قلبك الذي منح أكثر مما يجب.
الوجع الحقيقي ليس في الخذلان ذاته، بل في الأسئلة التي تعقبه: لماذا أنا؟ كيف لم أرَ الإشارات؟ كيف أحببت بصدق في عالم يتقن الأقنعة؟ وهنا تبدأ المعركة الأصعب… معركة استعادة نفسك. أن تحاول لملمة قلبك بينما ما زالت فيه آثار أقدام من عبروا دون رحمة، أن تُقنع روحك أن الطيبة لم تكن خطأ، بل الخطأ كان فيمن لم يعرف كيف يحترمها.
الخذلان يُعلّمك قسوة الدروس دون شرح، يجعلك أكثر حذرًا، أقل اندفاعًا، أعمق صمتًا. يجعلك تفهم أن بعض الناس لا يخذلونك لأنك سيئ، بل لأنهم عاجزون عن أن يكونوا أوفياء. وأن بعض الرحيل ـ مهما كان موجعًا ـ هو في حقيقته نجاة متأخرة، وخلاص لم تدركه إلا بعد أن دفعت ثمنه ألمًا.
ومع الوقت، تكتشف أن الخذلان لا يقتل القلوب النقية، بل يُنضجها. يُسقط عنها سذاجة الثقة العمياء، دون أن يسلبها قدرتها على الحب. يجعلك تُحب بعقلٍ حاضر، وقلبٍ واعٍ، وحدودٍ تحميك من النزيف المتكرر. تتعلم أن ليس كل من اقترب يستحق البقاء، وليس كل من ابتسم كان صادق النية.
وفي النهاية، يبقى الخذلان جرحًا… نعم، لكنه جرح يتركك أكثر فهمًا للحياة، أكثر تقديرًا لنفسك، وأكثر وعيًا بقيمة من يستحق أن يبقى. قد لا تنسى، وقد لا تُسامح بسهولة، لكنك ستنهض. ستنهض لأنك لم تُخلق لتكون ضحية، بل لتكون إنسانًا يعرف متى يعطي، ومتى يتراجع، ومتى يختار نفسه دون شعور بالذنب.
فالخذلان لا يُهزمنا…
هو فقط يكشف لنا من نحن،
ومن كانوا،
ومن لا يجب أن يكونوا مرة أخرى في طريقنا









