أكثر من 700 ألف حالة انتحار سنويًا.. جهود عالمية للحد من الظاه
الشيماء شايبيحتفل العالم باليوم العالمي لمنع الانتحار في العاشر من سبتمبر من كل عام، وذلك لرفع الوعى حول الانتحار وتعزيز الصحة النفسية وتقديم الدعم للأفراد الذين قد يعانون من أفكار انتحارية أو يواجهون تحديات تتعلق بالصحة النفسية.
وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 700 ألف شخص في العالم يموتون كل عام بسبب الانتحار. وعلاوة على ذلك، فإن كل حالة انتحار يقابلها عدد أكبر كثيرًا من الأشخاص الذين يحاولون الانتحار.
◄ فرويز: 4 من 100 مريض نفسي فقط يتلقون العلاج
ووفقا لمنظمة الصحة العالمية يأتي الانتحار في المركز الرابع بين أسباب الوفاة في صفوف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عامًا، وبحسب التقديرات الصحية العالمية، فإن أكثر من 79% من حالات الانتحار تحدث في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، ومنها بُلدان في إقليم شرق المتوسط. وقُدر عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم بسبب الانتحار فى الإقليم فى عام 2019 بنحو 41637 شخصًا.
وفي هذا الصدد، تناولت «آخر ساعة» أبعاد قضية الانتحار وأهم دوافعها ورأى الدين في المنتحر، وكذلك التعرف على عدد من الحالات التي حاولت الانتحار من خلال عيادات الطب النفسي والوقوف على أبرز الأسباب المؤدية لذلك.
◄ حالات من العيادات
تعرضت سيدة فى الثلاثينيات من عمرها إلى محاولة انتحار جراء تناول جرعة زائدة من علاجها المعتاد بعد أن شعرت باليأس والإحباط بعد وفاة والديها، هذا بالإضافة لزيادة التوتر والمشكلات فى حياتها الأسرية مما جعلها تشعر بضرورة إنهاء حياتها، وعملت على توديع أصدقائها بكلمات قاسية على صفحتها الشخصية على السوشيال ميديا ثم تناولت الدواء.
ولحسن الحظ كانت هذه الكلمات السبب فى إنقاذها والتفاف أصدقائها حولها سريعا ليتم إنقاذ حياتها في المستشفى وترى حقيقة الأمر وكم الحب الذى يحاوطها لتعزف عن قرارها هذا وتلجأ للعلاج النفسى حتى تستطيع أن تحيا حياة سوية بعيدا عن هذه الوساوس الخطيرة.
فيما تعرضت فتاة أخرى إلى محاولة انتحار بسبب كلمة تنمر وصفها بها أحد المارة بالشارع للسخرية من وزنها الزائد، الأمر الذى تسبب لها فى أذى نفسى خطير قامت على إثره بالذهاب للمنزل واستخدام أداة حادة لقطع شريان يدها، وبفضل الله عز وجل تم إنقاذها من قِبل المحيطين بها.
ومن الحالات المفجعة وفاة شاب مُقبل على الزواج حينما حدثت مشاداة بينه وبين والدته بسبب عدد أفراد حجز قاعة الزفاف، والتى كانت والدته تريده حجز مقاعد أكبر لأفراد العائلة بينما يريد هو ذلك لأصدقائه، فازدادت حدة الحديث حتى هددته بأنها ستخبر والده بسحب شقة الزوجية منه وإلغاء أمر الزفاف تماما، حينها دخل سريعا للمطبخ ووضع بنزين على جسده وقام بإشعال النار به ليتوفى بعد وقت قليل.
ومن ناحية أخرى استطاعت الهلاوس أن تسيطر على مسامع وأفكار فتاة مصابة بمرض الفصام، ظلت تراودها بأن هناك شخصا ما فى انتظارها للخارج لتذهب معه، وعليها أن تتجه للشرفة والمشى على السور لتذهب لمن تحب حتى سقطت ولاقت حتفها.
◄ اقرأ أيضًا | في اليوم العالمي لمنع الانتحار .. تعرف على أسباب انتشاره
◄ الأسباب والدوافع
ويعلق الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي، على زيادة نسبة الانتحار في كل دول العالم، قائلا إنه وفقا للمعدلات العالمية تحدث حالة انتحار حول العالم كل 40 ثانية، وأن أعلى نسبة لحدوث الانتحار تكون بين الشباب، ويعود ذلك إلى زيادة نسب الاضطرابات الشخصية والأمراض النفسية التي لم يتم تشخيصها بالشكل السليم وتلقى العلاج لتجنب وصول الحالات لهذا الأمر، ولعل التطور التكنولوجي والضغوط الاقتصادية والزيادة السكانية المرتفعة والعوامل الاجتماعية كالتنمر سواء واقعيا أو إلكترونيا وأيضا الضغوط الحياتية كالانفصال والتفكك الأسرى، يقع عليها العامل الأكبر في ذلك.
◄ العُصابيون
ويشير إلى أن بعض الفئات الذين يكونون أكثر عرضة لأذى النفس، وأشهرهم فئة العُصابيين وهم من يعانون التوتر الزائد والوسواس الدائم، ويظهر ذلك فى إصابتهم بالصداع المتكرر والعصبية وقضم الأظافر والتعرق الغزير وغيرها من أعراض الاضطراب النفسي، وعند تعرض هؤلاء لأى ضغط سواء كان نفسيا أو ماديا أو اجتماعيا فيكون أول أمر يأتى على بالهم هو إيذاء الذات، حيث تبدأ الوساوس والتفكير فى إنهاء الحياة سريعا حتى وإن كان الموقف الذى تعرض له الشخص بسيطا ولا يستدعى ذلك، لكن المخ يبدأ فى تضخيمه والإقدام على محاولة الانتحار، وفى حالة إنقاذه ثم تعرضه لموقف آخر يمكن أن يفكر فى الانتحار ثانية لكن بصورة أقل حدية.
◄ الاكتئاب الوجداني
والفئة الثانية هى المصابة بالاكتئاب الوجدانى الذى يتراوح معدل الإصابة به بين 2 و3% من المجتمع ككل، وتظهر أعراضه على الشخص فى قلة الحركة وفقدان الشغف واليأس، وللأسف الشديد يرى كثير من الأهل أن العلاج يمكن فى تغيير الروتين اليومى فقط كالسفر أو التنزه لاستعادة النشاط، ويتم استبعاد العلاج النفسى تماما مما يزيد الأمر سوءا بمرور الوقت، لافتًا إلى أن التعامل مع هذه الحالة يجب يكون بشكل علمى عن طريق ما يعرف بـ«بروتوكول مريض الانتحار» حيث يتم التحدث مع الحالة أولا وتوجيه سؤال مباشر «هل تسيطر عليك فكرة الانتحار»؟ فإذا كانت الإجابة بنعم فيكون دخول المستشفى أمرا إلزاميا لتلقى العلاج، ويكون هناك ممرض ملاصق للحالة تماما «كتف بكتف»، كما يوجد غرفة مخصصة تعرف باسم غرفة مريض الانتحار وهى عبارة عن غرفة مبطنة من جميع الجوانب ولا تحتوى على أى أمر قد يستخدمه المريض فى إيذاء نفسه، ويبدأ علاج البروتوكول فى تناول جلسات لتعديل أنماط كهرباء المخ والتى مسموح للطبيب المعالج بإعطاء جلستين بدون الرجوع للمجلس الأعلى للصحة النفسية؛ ثم يتم الحصول على موافقة رسمية لإتمام بقية الجلسات بعد إجراء التحاليل والفحوصات اللازمة، حتى تبدأ فكرة الانتحار تقل تدريجيا وفى غضون 10 أيام تختفى تماما. فضلا عن وجود فئة أخرى من مرضى الاكتئاب الناتج عن مرض عضوى غير مستجيب للعلاج، حيث تأتيهم أفكار انتحارية للتخلص من الحياة والآلام التى لا تنتهي.
◄ مرضى الفصام والهستيريا
وهناك أيضًا مرضى الفصام الذين تصاحبهم هلاوس سمعية لتنفيذ أوامر التخلص من الذات أو إيذاء الغير، وفى هذه الحالة يجب تناول المريض أدوية علاج الفصام لتجنب المضاعفات. بالإضافة للشخصيات الهستيرية التى تميل إلى الاستعراض والمبالغة فى الأمور، والتى أصبحنا نراها مؤخرا فى حالات الانتحار والاستعداد لها بالتصوير والبث المباشر، وغالبا يكون ذلك بهدف الرغبة فى توصيل رسالة لشخص ما ليخبره بأنه السبب فى ذلك، أو بسبب جنون الشهرة وأن سيرته ستظل خالدة بعد الوفاة.
ويكشف أستاذ الطب النفسي وجود بعض العلامات المبكرة التى تظهر على من يقدم على الانتحار، مثل فقدان الشغف فى الحياة، اضطرابات فى النوم، قلة الحركة، اضطرابات فى الأكل، قلة الكلام، التحدث بعبارات مليئة بالتشاؤم، عدم التركيز مع من حوله والالتفات كثيرا، رفض التحدث مع الآخرين والضحك بدون سبب أو ما يعرف بالهلاوس، لذا عند ملاحظ هذه التغيرات يجب التوجه فى الحال للطبيب لتشخيص الحالة وتحديد العلاج السليم.
وينصح باتباع مقولة «الوقاية خير من العلاج»، والوقاية هنا تبدأ من الصغر وتربية الأبناء بالشكل السليم من خلال التحدث معهم والتعرف على مشكلاتهم وعدم المبالغة فى توجيه النقد والحرص على رفع الروح المعنوية وتخفيف الضغوطات عنهم وعدم المقارنة بينهم وبين أقرانهم، وأخيرا ضرورة التوجه للعلاج النفسى فى حالة ظهور أى أعراض أو اضطرابات نفسية، حيث إنه حتى الآن مازالت فكرة رفض العلاج النفسى مسيطرة على البعض بشكل كارثي، حتى أن الإحصائيات أثبتت أن 4 من كل 100 مريض نفسى هم فقط من يحصلون على العلاج.
◄ رأي الدين
من جانبه، يوضح الشيخ محمد النمر، واعظ بالأزهر الشريف، أن الانتحار هو يأس وقنوط من رحمة الله الذى أمرنا بألا نلقى بأنفسنا إلى التهلكة، وضرورة المحافظة على النفس البشرية والعلم بأن الحياة بها جزء من الشدة يجب الصبر والتحمل عليه، وقال تعالى «لقد خلقنا الإنسان فى كبد» أى تعب ومشقة، ولذلك جعل الله الجنة ثوابا لمن صبر على الابتلاءات، فقال تعالى «وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وأنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون».
لذا فمن يقدم على الانتحار خسر الدنيا والآخرة، فالانتحار حرام شرعا وهو من كبائر الذنوب؛ لقوله تعالى: «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»، وقول النبى صلى الله عليه وسلم: «ومن قتل نفسه بشيء عُذِّبَ به يوم القيامة» (متفق عليه).
ومع كون المنتحر مرتكبًا لكبيرة إلا أنه لا يجوز وصفه بالكفر لأن أمره مفوض إلى الله، وعليه يُغسَّل ويُكفَّن ويُصلَّى عليه ويدفن فى مقابر المسلمين؛ ويُدعى له بالرحمة والمغفرة، ومع ذلك لا ينبغى التقليل من إثم هذا الجرم العظيم، ويجب على من شعر بمقدماته كمريض الاكتئاب أن يسارع إلى اللجوء للأطباء المختصين لمساعدته على العلاج وتجاوز أزمة المرض، ولا يحمل إثم المنتحر عليه وحده بل يضاف الإثم إلى من سهّل عملية الانتحار أو روج لها أو كان سببا فيها.
وفي الديانة المسيحية، يقول القس عيد صلاح، راعى الكنيسة الإنجيلية بالقاهرة، إن الانتحار فى الفكر المسيحى هو ضد إرادة الله، فالله سبحانه وتعالى فى الكتاب المقدس يريد للإنسان الحياة، وهو وحده معطى الحياة ووحده له السلطان على الموت، وليس من حق الإنسان أن ينهى حياته بنفسه، فالوصية حسب الكتاب المقدس تنهى عن ذلك.
فالانتحار مرفوض ومحرَّم من خلال نصوص الإنجيل «لا تقتل» ومن خلال التفكر اللاهوتى التى يعطى قيمة للحياة كهبة وعطية من الله تبارك اسمه، ولكن التعامل مع الواقع يحتاج لبصيرة روحية ورعوية لاستيعاب متغيرات الأمور من حولنا. لذا ينصح فى حالة ظهور علامات إحباط أو يأس أو اكتئاب يصعب التعايش أو التعامل معها باللجوء إلى طبيب أو معالج نفسى للعلاج كدور علاجى وخطوة وقائية.