لماذا سمى الاحتلال الإسرائيلي أحدث عملياته على غزة بـ«عربات جدعون»؟


لم يكن إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي عن تسمية الجزء الجديد من عملياته العسكرية في غزة بـ«عربات جدعون» مجرد تفصيل عابر يمكن ضياعه وسط زخم حرب الإبادة الجماعية، بل تحول في غضون ساعات إلى محور نقاش واسع داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها، بين من رأى فيه رمزية توراتية ومن قرأه كأداة سياسية لخدمة أجندة يمينية متطرفة لا تخلو من المفارقات الساخرة.
الرمزية تنفذ من الدين إلى السياسة
داخل وحدة قيادة الجيش الإسرائيلي، توجد وحدة متخصصة تختار أسماء العمليات العسكرية، لا بعشوائية وإنما بناءً على خلفيات دينية وتاريخية، وذلك في إطار استراتيجية الحرب النفسية والمعنوية، و«جدعون» – الاسم الذي اختير هذه المرة – لم يكن استثناءً، إذ استُخرج بعناية من سفر «القضاة» في التوراة، حيث يظهر كقائد حرر بني إسرائيل من المديانيين، أو كما ورد ذكرهم في القرآن باسم «أهل مدين»، باستخدام العربات.
وفقًا لصحيفة «هآرتس» العبرية، أثارت هذه التسمية جدلاً سياسيًا ساخرًا، لأن وزير خارجية الاحتلال الحالي يُدعى أيضًا «جدعون ساعر»، فبينما كان جدعون التوراتي رمزًا للإنقاذ من المحتل، اعتبر معارضو الحكومة أن «ساعر» ليس منقذًا لشعبه، بل فقط لنتنياهو الذي يعاني من تراجع شعبيته وأزمات متراكمة.
تصوير النصوص التوراتية لسفر «القضاة» المتعلق بجدعون
السبب التاريخي وراء تسمية عربات جدعون
في الرواية التوراتية، كان جدعون بن يوآش، شخصية ملحمية من عشيرة أبيعزري في سبط منسي، عاش في عفرا غرب نهر الأردن، وأصبح قائدًا لبني إسرائيل بعد اختيار «ملاك الرب» له، في حين كان بنو إسرائيل مختبئين في الكهوف خوفًا من المديانيين، فحكمهم بالقوة والحزم حتى قادهم إلى نصرٍ تاريخي على الرغم من النقص العددي الهائل في جيشه المكون من 300 فرد فقط، وكان مميزًا في استخدام سلاح العربات ضد المديانيين الذين كانوا يجيدون قيادة الجمال، وكانوا عنيفين جدا وسريعين ومباغتين في هجماتهم.
جدعون أو المصارع باللغة العبرية القديمة، كان واحدًا من الصور التي تشير للمسيح المخلص في الديانة اليهودية، وارتبط مجيئه ببناء الهيكل الثالث من جديد، أما اليوم، فقد ارتبط اسمه بعملية عسكرية يعتبرها كثيرون «كارثية» من حيث الأثر الإنساني والسياسي، لتبدأ موجات المقارنة الساخرة بين جدعون العهد القديم وجدعون العهد الحالي.
ردود فعل الإسرائيليين على اختيار «جدعون»
وسرعان ما تحولت التسمية إلى مادة غنية بالتهكم على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تصدّر وسم «عجلات جدعون» منصة «إكس» مرافقًا لرسومات ساخرة أظهرت جدعون ساعر على دراجة أطفال، أو يقود عربة أطفال بجانب زوجته، فيما جسده اليمينيون كبطل توراتي على عربة حرب.
حرب الرسوم الكاريكاتيرية بين المؤيدين للحكومة الإسرائيلية والمعارضين لها، انتشرت بشكل واسع مدعمةً بتقنيات الذكاء الاصطناعي وقدرته العجيبة على تزييف الصور بطريقة أقرب إلى الواقع.
إحياء الماضي لتبرير الحاضر
الرمزية في اختيار مسمى «جدعون» ليست جديدة، إذ استخدمته إسرائيل في «عملية جدعون» عام 1948 لاحتلال قرية بيسان وتهجير أهلها الفلسطينيين.
واليوم يبدو أن العودة إليه تهدف لصياغة خطاب توراتي يبرر حملة عسكرية جديدة، عبر تشبيه الفلسطينيين بالمديانيين أو «الأعداء التاريخيين» لبني إسرائيل، من أجل الدعوة غير المعلنة لتهيئة الظروف لبناء «الهيكل الثالث» في ظل حرب وجودية تهدد بقاء اليهود في «الأرض الموعودة» على حد زعمهم.
نتنياهو يقيم طقوس دينية في القدس المحتلة
خطط ميدانية لإجهاض حلم الدولة الفلسطينية
بعيدًا عن الجدل حول التسمية، فإن العملية على الأرض دخلت مرحلة متقدمة من القصف الجوي والمدفعي، مع حديث متزايد عن خطط لاجتياح بري تدريجي لأجزاء من غزة بهدف تقسيمها إلى 3 مناطق تًطمس بداخلها الهوية الفلسطينية ويُقطع دابر المقاومة إلى الأبد، حتى إذا نجحت الجهود المتصاعدة بقيادة مصر لإقامة دولة فلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، لم يجد العرب ما يقيمون عليه دولتهم، وفقًا لتحليل عسكري نشرته صحيفة «جويش كرونيكل».
وتؤكد التقارير العبرية أن العملية تستهدف نقل السكان الفلسطينيينجنوبًا نحو رفح، تحت ذريعة «الحماية»، بينما يتم الإعداد لمراقبتهم عبر بوابات تفتيش ضخمة، وتتوزع «عربات جدعون» على ثلاث مراحل: أولها جوي مكثف، تليها نقل السكان والتحضير للاجتياح، وأخيرًا مناورة برية طويلة الأمد.
أما الهدف المعلن حول إطلاق العملية الإرهابية، فهو إعادة المختطفين وهزيمة حماس، لكن أهدافًا أخرى تتكشف بمرور الأيام، منها السيطرة الميدانية، وتغيير الواقع الديموغرافي في القطاع.