حرائق برخيل بين الواقع والخرافة: نار غامضة تشعل الجدل في سوهاج

في إحدى ليالي يوليو الحارة، كانت قرية برخيل التابعة لمركز البلينا بسوهاج على موعد مع واقعة أثارت الرعب والدهشة، وفتحت أبوابًا من التساؤلات والجدل. سكان القرية استيقظوا على صرخات واستغاثات، وألسنة لهب تتصاعد من أحد المنازل دون سبب ظاهر. البعض تحدّث عن كنز دفين، والآخر أقسم أنه رأى نارًا تشتعل من تلقاء نفسها. لكن، ما الحقيقة؟ ومن أين بدأت القصة؟

بداية الحكاية: دخان أسود ونار بلا سبب

الواقعة بدأت عندما فوجئ الأهالي بتصاعد ألسنة اللهب والدخان الكثيف من منزل المواطن "ع. م. ع."، البالغ من العمر 36 عامًا، دون وجود أي مصدر واضح للحريق. ما أثار الريبة أكثر أن النيران كانت مشتعلة في غرفة مغلقة من الداخل، وتحديدًا من جوف "حفرة" تم حفرها في أرضية الغرفة.

شهادة الشهود: "البيت بينفجر لوحده"

قال أحد الجيران في روايته لموقع مصراوي:

"سمعنا صوت فرقعة جامدة جدًا، وبعدها لقينا نار طالعة من جوه البيت، من الأرض نفسها، ماكناش شايفين مصدرها، وأهل البيت بيصرخوا وبيقولوا الجن خرج!"

وأكد أحد أقارب الأسرة أن صاحب المنزل كان يحفر منذ أيام بحثًا عن "كنز"، بعد أن زعم أنه رأى رؤى وأحلام تشير إلى وجود دفين ذهبي، لكنهم لم يتوقعوا أن تنقلب الأمور إلى هذا الحد.

حلم الكنز... ونيران الليل

"أخويا حلم إن فيه كنز مدفون تحت الأرض في بيتنا، ومن بعدها بدأت البلاوي!"... بهذه الكلمات بدأت ر.ح، شقيقة أحد المتهمين في الواقعة، حديثها مع الجيران الذين هرعوا للمنزل بعد اشتعال النار. الحكاية، بحسب الروايات المتداولة، بدأت عندما راود الحلم أحد أفراد الأسرة، فصدّقوا أنه "إشارة" للعثور على كنز أثري، لكن كان عليهم أن يتعاملوا مع "الجن" الذي يحرسه.

خيوط القصة زادت غموضًا بعدما أبلغ بعض الجيران عن سماع أصوات غريبة، ورؤية أشياء تتحرك داخل المنزل. إحدى السيدات قالت: "فيه حاجة مش طبيعية، والله النار كانت بتطلع لوحدها من الأرض!"، بينما قال آخر: "شفنا شيوخ راحوا وجم ناس تانية جابت بخور، وكل شوية كانوا يقولوا إن الجن رفض يسيب الكنز".

التحقيقات الرسمية: حفرة و4 تماثيل

قوات الحماية المدنية والإسعاف وصلت بسرعة إلى مكان الواقعة، وتم السيطرة على الحريق الذي التهم غرفة الحفر بالكامل.
عند الفحص، تبين وجود حفرة بعمق 4 أمتار تقريبًا داخل المنزل، وُجد بها أربعة تماثيل يُشتبه في أثريتها، وتم التحفظ عليها بمعرفة النيابة.

ووفقًا لمحضر الشرطة، تبين أن صاحب المنزل كان يقوم بأعمال حفر دون ترخيص، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية ضده.

رأي الشرطة: لا علاقة بالجن

مسؤول أمني نفى وجود أي شبهة جنائية حتى الآن، موضحًا أن الأمر قيد التحقيق، ولا يوجد ما يثبت أن الحريق ناتج عن ظواهر خارقة. لكن وجود التماثيل والحفر خلسة داخل المنزل، أضفى على الحكاية طابعًا من الغموض وأعاد إشعال خيال القرية.

دخول الشرطة: محاولة لاحتواء الفوضى

بعد تكرار الاشتعال الغامض وازدياد حالة الذعر بين الأهالي، تلقى مركز شرطة البلينا بلاغًا رسميًا، وعلى الفور تحركت قوات الأمن للمنزل موضع الشبهة. وعند المعاينة، تبيّن وجود آثار لحريق غير مبرر، دون مصدر كهربائي أو اشتعال ظاهر، وهو ما عزز رواية الأهالي بوجود "قوى غير مرئية"، بينما بدأ رجال الأمن تحقيقاتهم من منظور واقعي.

أكد مصدر أمني مسؤول أنه تم ضبط 6 أشخاص من الأسرة التي تقيم بالمنزل، وأفاد في التحقيقات أنهم كانوا يحاولون التنقيب عن الآثار داخل المنزل بعد اقتناعهم بوجود "كنز" مدفون، وبدؤوا بالفعل في الحفر. وأثناء ذلك، بدأت بعض الحرائق تظهر داخل المنزل، ويُعتقد أن أحد أفراد الأسرة أو مجموعة منهم قد أشعلوها عمدًا في محاولة لـ"طرد الجن"، أو ربما للتمويه أمام الجيران.

الشيوخ والدجل: استدعاء القوى الغيبية

وفقًا لأقوال شهود العيان، فإن الأسرة استدعت أحد "المشايخ" المعروفين بالتعامل مع "الجن"، وأفاد الجيران أن الشيخ أجرى طقوسًا غريبة، استخدم خلالها بخورًا، وأدوات غامضة، وردد تعاويذ لا يفهمها أحد. بعض الأهالي حضروا الجلسة، وقالوا إن الشيخ كان يصرخ فجأة ويطلب منهم الابتعاد، مدعيًا أن "الجن غاضب" ويمنعهم من الوصول للكنز.

وقالت إحدى النساء: "الشيخ كان بيقول إن الجن مش موافق على خروج الكنز، وبدأت النار تطلع في البيت بعدها بيومين".

لكن ما أثار القلق حقًا أن أفراد الأسرة صدّقوا تمامًا أن الجن سيُعاقبهم إن لم يُكملوا الطقوس، ما دفعهم للمواصلة رغم اشتعال الحرائق وتدهور الأوضاع.

رأي رجال الدين: الكنز والجن... وهم أم ابتلاء؟

للتحقيق تواصلنا مع الدكتور أحمد عبدالمعز، الأستاذ بجامعة الأزهر، والذي علّق قائلًا:
"ما حدث يدخل في باب الخرافة والدجل، والله تعالى نهى عن الاستعانة بالجن أو الاعتقاد بأن لهم سلطانًا على الكنوز أو الرزق. الشرع يحرّم هذه الممارسات ويعتبرها شركًا إذا صاحبتها نية التوسل بغير الله."

وأضاف:

"الكنوز إن وُجدت، فلها طرق قانونية لاستخراجها، والدولة هي الجهة الوحيدة المخولة بذلك. أما حكايات الحفر والجن، فهي وسائل يستخدمها الدجالون لاستغلال جهل الناس، وهي لا تمت للدين بصلة."

التحقيقات الرسمية: وقائع تنقيب وحرائق متعمدة؟

أفادت التحريات الأولية أن المتهمين حفروا فعليًا داخل المنزل، وتم العثور على حفرة كبيرة في إحدى الغرف. كما أكدت الأجهزة الأمنية أن النيران ناتجة عن مواد مشتعلة تم إشعالها عمدًا، ولم يكن هناك أي خلل كهربائي.

تم تحرير محضر بالواقعة، وتقرر حبس المتهمين على ذمة التحقيقات، مع استمرار المعاينة الفنية لموقع الحادث. وتشير التوقعات إلى أن النيابة ستوجه إليهم تهمتي التنقيب عن الآثار، وتعريض حياة الآخرين للخطر.

شهادات من قلب الحدث: صدمة ورعب بين الأهالي

تقول الحاجة "فاطمة"، إحدى الجارات:

"إحنا مش مصدقين اللي حصل، كل يوم نار، وكل ما نطفيها تولع تاني! أول مرة في حياتي أشوف حاجة كده... كأن البيت فيه حاجة مش طبيعية."

بينما يروي أحد الشباب:

"أنا شوفت واحد من البيت وهو بيجيب جردل فيه مادة بتولع، وكان بيرش منها في الأرض. وقتها فهمت إن في حاجة غلط، وبصراحة أنا بلغت الشرطة على طول."

تفاوتت الشهادات بين مَن يؤمن بالقوى الغيبية، ومَن يراها تمثيلية خادعة. لكن الجميع اتفق على أن ما حدث لم يكن طبيعيًا بأي حال.

خرافات تنبع من الجهل... والحقيقة تحت الأرض

قصة "كنز الجن" في قرية برخيل بسوهاج لم تكن الأولى من نوعها، لكنها تعكس بوضوح مدى تغلغل الخرافات والدجل في بعض المجتمعات الريفية. من منزل مشتعِل إلى حفرة مهجورة، ومن شيخ يدّعي تسخير الجن إلى محضر شرطة بتهمة التنقيب... تتشابك خيوط الواقع بالوهم.

ورغم أن السلطات تدخلت سريعًا وأوقفت ما يمكن أن يتحول إلى كارثة، تظل الحاجة قائمة إلى توعية مجتمعية قوية، تحصّن العقول من الخرافة، وتحذر من استغلال الدين لتحقيق أرباح أو مطامع. ففي النهاية، لا كنز يستحق أن يُحرق من أجله بيت... ولا جن يستحق أن نُسلّم له عقولنا!