كوكتيل الكورتيزول”.. مشروب ترند على تيك توك أم وهم نفسي لمواجهة التوتر

في عصر السرعة والضغوط اليومية، يبحث الناس بشغف عن أي وسيلة تساعدهم على التخلص من التوتر والإجهاد، خصوصًا مع تنامي القلق النفسي واضطرابات النوم. وبينما كان البحث سابقًا يتجه نحو الأعشاب والأدوية، ظهر مؤخراً مشروب جديد على منصات التواصل الاجتماعي وخاصة "تيك توك" يحمل اسم "كوكتيل الكورتيزول"، يروّج له على أنه "المشروب السحري" لتقليل التوتر وتحسين المزاج.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل فعلاً يمكن لهذا الكوكتيل أن يخفف من التوتر ويعيد التوازن للجسم؟ أم أنه مجرد موضة رقمية جديدة دون أي أساس علمي؟

في هذا التقرير، نستعرض مكونات كوكتيل الكورتيزول، آراء المختصين حوله، ومدى تأثيره على الصحة الجسدية والنفسية، مع تحذيرات ضرورية من مخاطره المحتملة، خاصة لفئات معينة.

ما هو "كوكتيل الكورتيزول"؟

"كوكتيل الكورتيزول" هو مشروب انتشر كالنار في الهشيم على منصة تيك توك خلال الأشهر الماضية، وقدّمه بعض المؤثرين على أنه وصفة "سريعة وآمنة" للتخلص من التوتر وتحسين جودة النوم والمزاج، وتحفيز النشاط البدني.

يتكوّن هذا المشروب عادة من:

• بودرة الماغنيسيوم

• ماء جوز الهند

• عصير الحمضيات (ليمون أو برتقال)

• رشة من ملح الهيمالايا الوردي

• وأحيانًا: مياه غازية لتحسين الطعم

الفكرة الأساسية خلف المشروب هي أنه يعيد توازن المعادن والسوائل في الجسم، ما يُعتقد أنه يساعد على تنظيم مستويات الكورتيزول، وهو الهرمون المسؤول عن التوتر والإجهاد.

ما هو الكورتيزول ولماذا يرتبط بالتوتر؟

الكورتيزول هو هرمون يفرزه الجسم بشكل طبيعي عن طريق الغدة الكظرية، ويلعب دورًا أساسيًا في:

• الاستجابة لحالات التوتر

• تنظيم نسبة السكر في الدم

• دعم عمل الجهاز المناعي

• ضبط ضغط الدم

• تنظيم عملية الأيض

لكن، عند التعرض المستمر للإجهاد أو القلق، قد ترتفع مستويات هذا الهرمون بشكل مزمن، ما يؤدي إلى أضرار صحية مثل:

• زيادة دهون البطن

• ضعف المناعة

• مشاكل في النوم

• القلق والاكتئاب

• زيادة الوزن

ومن هنا جاءت فكرة مشروب "كوكتيل الكورتيزول"، الذي يزعم مروّجوه أنه يساعد على خفض نسبة هذا الهرمون وتحسين الحالة النفسية.

رأي الخبراء: فعالية المشروب بين الوهم والحقيقة

في تصريح لموقع "النهار"، أكدت الدكتورة جويس زلاقط، أخصائية التغذية وأستاذة محاضرة بجامعة الروح القدس – الكسليك، أن هذا المشروب يفتقر إلى أي إثبات علمي يؤكد فاعليته في تقليل التوتر أو تنظيم الكورتيزول في الجسم.

تحليل مكونات المشروب:

• الماغنيسيوم:
  بالفعل يلعب دورًا في الاسترخاء العصبي وتقليل التوتر، لكنه في هذا المشروب يُستخدم بكميات ضئيلة جدًا، وغالبًا ما يكون غير فعّال.

• ماء جوز الهند:
  يحتوي على البوتاسيوم، الذي يساعد في ترطيب الجسم، لكنه لا يغيّر من مستويات الكورتيزول بشكل مباشر.

• عصير الحمضيات (الليمون أو البرتقال):
  يحتوي على فيتامين سي، وهو مضاد للأكسدة يعزز المناعة، لكن لا توجد دلائل على تأثيره المباشر في خفض التوتر.

• ملح الهيمالايا:
  غني بالصوديوم، وقد يسبب مشاكل صحية لمرضى القلب والضغط والكلى إذا استُخدم بكميات كبيرة.

من وجهة نظر علمية:

كوكتيل الكورتيزول لا يُعد أكثر من مشروب مرطّب، وقد يعطي شعورًا مؤقتًا بالراحة النفسية نتيجة تأثير الـ Placebo (الإيحاء النفسي)، لكن لا يملك قدرة حقيقية على معالجة التوتر أو ضبط هرمونات الجسم.

الأضرار المحتملة لـ "كوكتيل الكورتيزول"

رغم سهولة تحضيره ومظهره الصحي، إلا أن لهذا المشروب بعض الأضرار المحتملة، خاصة إذا تم تناوله بكميات غير محسوبة أو بشكل يومي:

• ارتفاع ضغط الدم بسبب الملح الزائد

• مشاكل لدى مرضى القلب والكلى

• رفع مستوى السكر في الدم نتيجة عصير البرتقال (نصف كوب = 15 جم سكر تقريبًا)

• مشاكل في الجهاز الهضمي بسبب بودرة الماغنيسيوم، والتي قد تؤدي إلى إمساك أو إسهال

هل يمكن الاعتماد عليه؟ نصائح مهمة من المختصين

إذا كنت من الأشخاص الذين يعانون من الإرهاق المزمن، اضطرابات النوم أو القلق، إليك بعض التوصيات الأكثر أمانًا:

1. استشارة طبيب غدد صماء لقياس نسبة الكورتيزول

2. ممارسة تمارين التنفس والتأمل

3. تناول الماغنيسيوم من مصادر طبيعية (كالسبانخ، اللوز، الشوفان)

4. تقليل الكافيين والأطعمة المصنعة

5. تنظيم النوم والابتعاد عن الشاشات قبل النوم

أما بالنسبة للراغبين في تجربة هذا المشروب، فتُفضَّل النسخة المخففة منه عبر استبدال عصير البرتقال بعصير ليمون بدون سكر، وتقليل كمية الملح لأقصى درجة ممكنة، مع استشارة طبيب في حال وجود أي حالة صحية مزمنة.

ما بين الوهم والواقع.. التوازن هو الحل

"كوكتيل الكورتيزول" قد يبدو خيارًا مغريًا في ظل الضغوط اليومية وسرعة الحياة، لكنه ليس الحل السحري الذي يروّج له على السوشيال ميديا. التوتر ليس مشروبًا يُزال، بل حالة متجذرة تحتاج لتعامل متكامل من وعي نفسي، تغذية سليمة، وعناية طبية.

فبدلًا من الركض وراء ترندات غير مدروسة، يبقى الأهم أن نسعى لفهم أجسادنا واحتياجاتها الحقيقية، ونمنحها الراحة والاهتمام الذي تستحقه… لا بالوصفات السريعة، بل بالحلول المستدامة.