الأحد 2 نوفمبر 2025 05:34 صـ 11 جمادى أول 1447هـ
أخبار مصر 2050
  • رئيس التحرير التنفيذي مها الوكيل
  • مستشار التحرير د. عبد الرحمن هاشم
المقالات

أشرف محمدين يكتب : ليس الطريق لمن سبق — إنما الطريق لمن صدق.

أخبار مصر 2050

في تجربة العمر، كثيرون يدخلون حياتنا في مراحل متفرقة: من اعتقدنا يومًا أنه البداية، من أشعل فينا وهج الحلم، من ظننّا أنه “النصيب” ثم اكتشفنا في الطريق أنه مجرد فصل قصير لا يكتمل. ظنّ البعض أن الأسبقية تصنع الشرعية، وأن من جاء أولًا أصبح هو الأحق، وكأن القلب يُدار بمنطق “من حجز أولًا جلس أبديًا”. لكن الحقيقة التي لا يفهمها إلا من نضج بالوجع أنّ الحب الحقيقي لا يُقاس بالبداية… بل بمن يبقى حتى النهاية.

قد يأتيك أشخاص في عز الشباب، في غفلة الطيش، فتمنحهم ما لا يستحقون لأنك لم تكن قد تعلّمت بعد كيف تُقيّم، ولا كيف تتجنب الخديعة. ثم يمضي الزمن، وتكتشف أن ما حسبته حبًا كان مجرد ضجة عاطفية صاخبة بلا جذر ولا مصير. بينما يحدث أن يظهر شخص متأخر في منتصف العمر — بعد أن هدأ الصخب — لكنه يحمل في حضوره من الطمأنينة ما يُعيد ترتيب دمك، ويجعلك تفهم للمرة الأولى أن الحب ليس ما انكسر مع الصدمات الأولى، بل ما يصمد أمام اختبار العمر الطويل.

الناس كثيرون في البدايات… لكن القليل جدًا يصل معنا إلى الشيخوخة.
القليل جدًا يملك صبر الركود لا إثارة الاندفاع.
القليل

جدًا لا يريد أن “يُعاش” اليوم فقط، بل أن “يُستكمل” معه الغد والعشرة والبقايا الأخيرة من العمر.

إن الرجل أو المرأة الذين تريد أن تشيخ معهم ليسا الأكثر جمالًا، ولا الأكثر بهرجة، بل الأكثر صدقًا وثباتًا وأمانًا. ذاك الذي لا يُشعلك ثم يتركك رمادًا، بل ذاك الذي يُطفئ عنك تعب السنين، ويهيّئ لك كرسياً بجانبه في آخر الطريق دون قلق من الرحيل. فالحب ليس شغفًا في شهور الشباب، بل قدرة على أن تقول بعد سنوات: “أنا هنا… ولن أذهب.”

الحب الذي نختاره للشيخوخة ليس الذي يعميك فتتبعه، بل الذي يُبصّرك فتطمئن إليه. هو الذي لا يربحك يومًا ثم يخسرك عمرًا، بل من يخسر بعض اللحظات ليكسبك لكل السنوات القادمة. هو الشخص الذي لا ينافس الماضي، ولا يطالب بالمقارنة، ولا يغار ممن جاءوا قبله، لأنه يفهم أن مكانته لن تُمنح بالأسبقية… بل بالصدق والاستحقاق.

إن العلاقات التي تُبنى لتُستمر تحتاج نوعًا آخر من الرجال والنساء:
من لا يطلب أن يكون “أول قصة” بل أن يكون “آخر محطة”.
من لا يكتفي بأن يُحبك… بل يعهدك.
من لا يهمه أن يمتلك صورتك الأولى، بل يريد أن يكون صاحب صورتك الأخيرة في مرايا العمر.

والنضج الحقيقي ليس أن تبحث عن حبٍ يشبه البدايات، بل عن حبٍ يصلح للنهايات. عن يدٍ تُمسكك حين يثقل الجسد، وعن صدرٍ يليق بطمأنينة آخر العمر، وعن عينٍ تعرف أن الوفاء لا يُكتب في رسائل وإنما يُدرَّب في الأيام. لذلك، فالحب لا يُقاس بمن بدأ الدرب معك، بل بمن بقي حتى وصل معك إلى آخره.

فالطريق ليس لمن مرّ… بل لمن استقر.
والقلب ليس لمن طرق… بل لمن لم يخرج.
والحب ليس لمن قال “كنت”… بل لمن يقول “سأظل”.

ذلك وحده هو الذي يُسمّى:
الحب الأخير… الذي نريد أن نُكمل معه العمر ونُسلم إليه شيخوختنا بلا خوف من الوحدة ولا من الخذلان
في النهاية، لا يُقاس الحب بالتصريحات المشتعلة ولا بالصور المغلفة بالقلوب الحمراء، ولا بعدد الكلمات التي تُقال في الليالي الطويلة. يُقاس الحب بحقيقة واحدة فقط: هل هذا الشخص هو الأخير الذي تطمئن لفكرة أن تنطفئ بجواره؟ أن تشيب معه؟ أن تحكي له نفس القصة للمرة المئة فيسمعها كأنها الأولى؟ هل تستطيع أن تترك أمامه نقاط ضعفك بلا توتر، وأن تفضح خوفك بلا خجل، وأن تسقط ضعفك على صدره وأنت واثق أنه لن يستخدمه سلاحًا ضدك يومًا؟

الحب ليس من يبدأ الحكاية، بل من لا يسمح لها أن تنتهي. ليس من يدخل حياتك بقوة، بل من يبقى رغم الفتور والملل واختلاف المزاج وقسوة الحياة. ليس من يعجبك حضورُه، بل من يؤلمك احتمال غيابه. ليس من يدهشك في البداية، بل من يطمئنك في النهاية. النهاية التي لا تُكتب بالحبر، بل تُوقَّع بالعُمر.

هناك شخصٌ واحد — واحد فقط — تشعر أمامه أن فكرة الشيخوخة ليست تراجعًا ولا خسارة، بل نعمة إذا جاءت بجانبه. شخص إذا مرت السنون وانحنى الظهر وتجعد الجلد، بقي في عينك أجمل من كل البدايات، لأن الجمال هنا لم يعد في الوجه، بل في ثباته، في وفائه، في بقائه شاهدًا على جميع نسخك: غضبك، ارتباكك، انهيارك، نضجك، وانطفائك الأخير.

هذا هو الحب الذي يستحق أن يقال عنه:
ليس لأنه دخل حياتي… بل لأنه اختار أن يبقى حتى النهاية.
ليس لأنه أحبني… بل لأنه كان الأخير الذي تمنيت أن أكمل معه ما تبقى من العمر.
ذلك الحب الذي لا يحتاج إلى صخبٍ ليعيش، بل إلى نَفَس طويل، وصدر يتسع، وقلب لا يشيخ حتى لو شاخت الأجساد.

الحب الحقيقي ليس قصة نكتبها… بل حياة نُسلِّم مفاتيح شيخوختنا لها، ونحن مطمئنون أنه آخر باب سنقف أمامه دون خوف، وآخر يد نَشيخ ونحن ممسكين بها… دون أن نفلت. فليس إذن الطريق لمن سبق - و إنما لمن اظهر الصدق و منح الأمان

مواقيت الصلاة

الأحد 05:34 صـ
11 جمادى أول 1447 هـ 02 نوفمبر 2025 م
مصر
الفجر 04:42
الشروق 06:10
الظهر 11:39
العصر 14:45
المغرب 17:08
العشاء 18:26