اشرف محمدين يكتب :-حين تتحول المشاعر إلى سكاكين
الغيرة حين تصير شكًّا… والاهتمام حين يصير مراقبة… والعتاب حين يصير اتهامًا
في العلاقات الإنسانية، وخاصة العاطفية منها، هناك خيط رفيع جدًا بين الحب والاختناق، بين الحرص والتسلّط، بين الغيرة الجميلة والشك القاتل. هذا الخيط غالبًا لا ننتبه له إلا بعد أن ينقطع، وتسقط العلاقة في هوّة من الألم وسوء الفهم، وقد تتحول الحياة بعدها إلى جحيم حقيقي لا يُطاق.
الغيرة في أصلها شعور إنساني نبيل، تعبير فطري عن الحب والرغبة في الحفاظ على من نحب. لكنها حين تفقد توازنها، وتتحول إلى شك دائم، تصبح سُمًّا يتسلل إلى القلب والعقل معًا. الشك لا يكتفي بإفساد اللحظة، بل يعيد كتابة كل الذكريات بلون قاتم، ويزرع في النفس هواجس لا تنتهي. ومع الوقت، لا يعود الطرف الآخر شريك حياة، بل يصبح متهَمًا دائمًا حتى يثبت العكس… وكل يوم.
أما الاهتمام، فهو روح العلاقة ونَفَسها الدافئ. هو السؤال بلا استجواب، والاطمئنان بلا تضييق، والحرص بلا خنق. لكنه حين يتحول إلى مراقبة، يفقد معناه الإنساني ويصير أداة سيطرة. حين تُفتَّش الرسائل، وتُراجع المكالمات، وتُراقَب الخطوات، لا يعود الحب هو الدافع، بل الخوف، وانعدام الثقة، والرغبة في الامتلاك. وهنا يبدأ الإنسان في فقدان إحساسه بذاته، وكأنه يعيش داخل قفص ذهبي… لامع من الخارج، خانق من الداخل.
اقرأ أيضاً
أسعار الذهب اليوم السبت 27 ديسمبر 2025.. ارتفاع جديد
أعلى شهادات الادخار بعد خفض أسعار الفائدة
الصحف المغربية تحتفي بـ منتخب الفراعنة: روح قتالية وتأهل مستحق لدور الـ16
كيف دعمت الحكومة السلع التموينية ورغيف الخبز هذا العام؟
فتح لجان التصويت بأول أيام جولة إعادة انتخابات النواب بالدوائر الـ19 الملغاة
صور الأقمار الصناعية.. سحب على مناطق بالإسكندرية والسواحل الشرقية مصحوبة بأمطار
كلية الطب بالقوات المسلحة تستقبل وزير الصحة والسكان
ميسي ينافس على جائزة ملك الأمريكتين للمرة الأولى في تاريخه
بصورة محمد صلاح والسقا.. الدوري الإنجليزي يشعل موقعة مصر وجنوب أفريقيا
وزيرة التخطيط: 17 مليار دولار تمويلات ميسرة للقطاع الخاص منذ 2020 عبر «نوفى»
كوريا الشمالية تكشف صوراً جديدة لأول غواصة تعمل بالطاقة النووية
حلقة ياسمين عبد العزيز مع منى الشاذلى تحقق 107 ملايين مشاهدة فى 3 أيام
والعتاب… ذلك الفن الراقي في التعبير عن الألم بدون كسر. العتاب الحقيقي لا يُوجع، بل يُنقذ، لأنه يفتح باب الفهم، ويكشف ما في القلب دون إهانة. لكنه حين يتحول إلى اتهام، يصير سلاحًا جارحًا. الاتهام لا يسعى للفهم، بل للإدانة. لا يبحث عن حل، بل عن انتصار. ومع كل اتهام، تتآكل مساحة الأمان بين القلوب، ويبدأ كل طرف في الدفاع بدل أن يحاول الاحتواء.
الخطأ الأكبر… هو أن يترك الإنسان هذه التحولات تحدث دون أن يتوقف ليسأل نفسه:
متى تحولت غيرتي إلى شك؟
متى صار اهتمامي عبئًا؟
ومتى صار عتابي قسوة؟
لأن هذه التحولات لا تحدث فجأة، بل تتسلل بهدوء، تحت ستار الحب والحرص والخوف. ومع الوقت، تتكدّس المشاعر السلبية، ويبرد الدفء، وتتغير اللغة، وتصبح النظرات مشحونة، والكلمات مُلغّمة، والقلوب في حالة استعداد دائم للانفجار.
وحين تصل العلاقة إلى هذه المرحلة، لا يعود الألم سببه الخيانة أو الخطأ الكبير فقط، بل سببه التراكمات الصغيرة التي لم تُعالج في وقتها. نظرة شك هنا، سؤال مُحمَّل بالاتهام هناك، موقف مراقبة، كلمة جارحة قيلت تحت مسمى العتاب… حتى تمتلئ القلوب بالجروح الصامتة.
الوجع الحقيقي ليس في الخلاف، بل في الإحساس الدائم بأنك غير موثوق بك، غير آمن، غير مطمئن. أن تشعر أنك مطالب على الدوام بتبرير نفسك، والدفاع عن نواياك، وإثبات براءتك في علاقة من المفترض أن تكون ملاذًا لا ساحة محاكمة.
العلاقات لا تموت من ضربة واحدة…
تموت من ألف شكّ صغير،
وألف مراقبة مُبالغ فيها،
وألف اتهام قيل باسم العتاب.
وحين تموت، لا تموت بصوت عالٍ، بل بصمت بارد… حيث يستمر الشكل، وتغيب الروح، وتبقى الأجساد وحدها في علاقة بلا حياة
في النهاية
نجد ان اللحظة التي تتحول فيها الغيرة إلى شك، لا يعود الحب بريئًا، بل يصبح محكمة تفتيش.
وفي اللحظة التي يصير فيها الاهتمام مراقبة، يفقد الحنان معناه، ويتحوّل القرب إلى اختناق.
وفي اللحظة التي ينقلب فيها العتاب إلى اتهام، تُغتال البراءة داخل العلاقة بلا صوت.
نكتشف متأخرين أننا لم نخسر أشخاصًا… بل خسرنا أنفسنا ونحن نحاول أن نُثبت للآخرين أننا أوفياء بما يكفي، وصادقون بما يكفي، ونقيّون بما يكفي.
نكتشف أننا صرنا نشرح كثيرًا، ونبرر أكثر، ونخاف من أبسط تصرف، وكأن الحب تحوّل من مساحة أمان إلى ساحة محاكمة.
الصدمة الحقيقية ليست في الشك ذاته…
بل في أن تُتّهم وأنت نقي،
أن تُراقب وأنت صادق،
أن تُحاسب وأنت تحب بعمق.
وهنا يموت شيء خطير جدًا…
يموت الشعور بالعفوية،
يموت الضحك الذي كان يخرج بلا تفكير،
يموت الاطمئنان الذي كان يسكن القلب دون شروط.
العلاقات لا تنهار بالخيانة فقط…
تنهار حين يشعر أحد الطرفين أنه صار متهمًا دائمًا، مهما فعل، ومهما صبر، ومهما أثبت.
المرعب في الأمر أن هذا الخراب لا يحدث فجأة،
بل يتسلل ببطء…
كالماء الذي ينخر في الصخر،
وكالسمّ الذي يُسقى على جرعات صغيرة.
إلى أن يأتي اليوم الذي لا يعود فيه الحب قادرًا على الدفاع عن نفسه،
ولا القلب قادرًا على الاحتمال،
ولا الروح راغبة في المزيد من التبرير.
وحينها… لا يحدث الانفجار،
بل يحدث شيء أقسى:
الانسحاب الهادئ،
الرحيل البارد،
والصمت الذي لا رجعة بعده.
فأخطر ما يمكن أن نفعله بمن نحب
أن نحوله من حبيب إلى مشتبه به،
ومن أمان إلى تهديد،
ومن وطن إلى زنزانة.
فاحذر…
ليس كل ما يُراقَب يُصلَح،
وليس كل ما يُشك فيه ينجو،
وبعض القلوب لا تحتمل أن تُحاكَم مرة واحدة ظلمًا…
فكيف إذا حُوكِمت كل يوم؟










