اشرف محمدين يكتب:-إن لنفسك عليك حقًا - وأهمها - أن تهجر من لا يعرف قيمتها
في زحام الحياة، وبين ضجيج العلاقات، وضغوط التوقعات، ومعارك العطاء غير المتوازن، ننسى — أو نتناسى — حقيقة بالغة الوضوح:
أن لأنفسنا علينا حقًا، حقًا لا يقل قدسية عن أي واجب آخر، بل ربما يتقدّم على كل الواجبات.
حق أن نصونها، وألا نكسرها باسم الحب، ولا نرهقها باسم الوفاء، ولا نستنزفها باسم الطيبة.
كثيرون يُجيدون العطاء… حتى الإفناء.
يحبّون حتى الذوبان.
يصبرون حتى التآكل.
يتنازلون حتى يفقدوا ملامحهم، ثم يتعجّبون: لماذا يشعرون بالفراغ؟
لماذا يتغيّرون؟
لماذا خفَتَت أرواحهم؟
الحقيقة الموجعة أن بعض القلوب لا تُهزم من الخارج، بل تُستنزف من الداخل… حين تعطي أكثر مما تحتمل، وتصمت أكثر مما يجب، وتبقى في أماكن تُستهلك فيها ولا تُقدَّر.
هناك فرق شاسع بين التضحية والتهوّر الروحي.
وبين الوفاء والانتحار العاطفي البطيء.
وبين الصبر النبيل والبقاء في موضع الإهانة.
اقرأ أيضاً
أنجلينا جولى تعود إلى الأدوار الدرامية فى فيلمها الجديد Sunny
أروى جودة وزوجها بمهرجان البحر الأحمر فى أول ظهور بعد الزواج
محمد صلاح يثير الجدل على إكس ويهدد أرني سلوت.. تعرف على التفاصيل
ظهور كلمة “Error” على عداد الكهرباء مسبق الدفع؟ إليك خطوات تشغيله بسرعة
بالطبع، إليك صياغة بديلة: «قبل انطفاء الإنترنت».. سر الـ5 جيجا التي تنقذ المستخدم في اللحظة الأخيرة
الخبراء يحذرون من تناول المضادات الحيوية لعلاج نزلات البرد
أبل تخطط لإطلاق 3 هواتف آيفون فقط في 2026.. تعرف على السبب
إلغاء تراخيص 260 جمعية أهلية للتمويل متناهي الصغر من قبل الرقابة المالية بسبب المخالفات.
رئيس الوزراء: تحضير عدد من الشركات للطرح في المرحلة المقبلة.
والدة ضحية الصاروخ الكهربائي تكشف تفاصيل جديدة وتؤكد أن القاتل مسجّل باسم المعلم برهوم.
وصول أربعة أسود وثلاثة نمور جديدة إلى حديقة الحيوان ضمن خطة التطوير.
الجيش الإسرائيلي يعلن أن ياسر أبو شباب قُتل برصاص مسلحين.
ليس كل من تركك خائنًا،
وليس كل من خذلك شريرًا،
لكن المؤلم حقًا… أن تبقى أنت رغم كل ذلك، فقط لأنك تخاف كلمة “الرحيل”.
نُربّى منذ الصغر على أن الطيبة فضيلة، وأن التسامح قُربى، وأن الصبر عبادة…
وكل هذا صحيح،
لكن ما لم يُقال لنا بصدق:
أن الطيبة حين تُستغل تتحوّل إلى ألم،
وأن التسامح حين يصبح بلا حدود يصير استباحة،
وأن الصبر حين يكون على الإهانة يفقد قدسيته.
أن تهجر من لا يعرف قيمتك ليس قسوة،
بل هو أرقى أشكال الرحمة… بنفسك.
فليست كل القطيعة جريمة،
وليست كل الانسحابات هروبًا،
بعض الرحيل وعي،
وبعض الابتعاد نجاة،
وبعض الأبواب التي نُغلقها لا نغلقها على الآخرين… بل على نزيفنا.
نُخطئ حين نعتقد أن البقاء بطولة،
وأن التحمل دليل نضج،
وأن الصمت حكمة في كل الأحوال.
أحيانًا يكون البقاء ضعفًا،
ويكون التحمل استنزافًا،
ويكون الصمت خيانة للنفس.
الإنسان لا يُخلق ليكون محطة لتفريغ قسوة الآخرين،
ولا سلة لتجميع خيباتهم،
ولا مساحة آمنة لتمرين اللامبالاة فوق صدره.
كل علاقة لا تُشعرك بقيمتك… تُنقصها.
كل مكان لا يُشبه كرامتك… يضغط على روحك.
كل شخص لا يرى عطائك… لا يستحق استمرارك.
والمفارقة المؤلمة أن أكثر من يتأذى هم الطيبون…
لأنهم يبررون الخطأ،
ويلتمسون الأعذار،
ويُغلّفون الجرح بالحكمة،
ويؤجلون المواجهة باسم “أصلنا مش قاسيين”.
حتى يكتشفوا متأخرين أنهم الوحيدون الذين كانوا يقفون في منتصف العلاقة،
بينما الآخر كان يقف عند الباب،
يأخذ ما يشاء ثم يرحل دون أن يلتفت.
أن تهجر من لا يعرف قيمتك لا يعني أن تتحول إلى شخص قاسٍ،
بل أن تتحوّل إلى شخص واعٍ.
أن تختار نفسك دون أن تُسحق غيرك.
أن تحب دون أن تُهان.
أن تعطي دون أن تُستنزف.
أن تعتذر عن الاستمرار… لا عن وجودك.
لأن النفس التي تُهان كثيرًا… تصمت طويلًا،
وحين تصمت النفس أكثر مما يجب،
فهي لا تهدأ… بل تستعد للانسحاب.
نحن لا نحتاج إلى كثرة من الناس في حياتنا،
نحتاج فقط لمن يحفظ وزننا،
ويُدرك معنى وجودنا،
ولا يتعامل معنا كأننا دائمًا متاحون، دائمًا مُتسامحون، دائمًا قابلون للخذلان.
إن لنفسك عليك حقًا…
أن لا تجعلها مشروع انتظار دائم.
أن لا تضعها في الصف الثاني من أولوياتك.
أن لا تساوم بها على القبول.
أن لا تبيع كرامتها مقابل لحظات مؤقتة من الدفء الزائف.
النفس تُحب كما تُؤلم،
وتفرح كما تنكسر،
وتُعطي كما تتعب.
فإما أن تُصان… أو تنكمش ببطء حتى تختفي ملامحها.
والقيمة لا تُطلب،
القيمة تُحترم.
إن لم تُحترم… فالهجر أصدق رسالة.
لا انتقامًا…
بل حفاظًا على ما تبقّى من روحك
في آخر الطريق، وبعد أن تهدأ الضوضاء، وتسكت كل الأصوات التي كانت تملأ حياتنا ضجيجًا، يبقى صوت واحد لا يمكن الهروب منه: صوت النفس. ذلك الصوت الخافت الذي كنا نؤجله، نقمعه، ونخونه كل مرة اخترنا فيها البقاء حيث لا نُقدَّر، والسكوت حيث كان يجب أن نغادر. عندها فقط ندرك متأخرين أن لأنفسنا حقًا، وأن أعظم هذا الحق أن نُنقذها ممن لا يرى قيمتها.
ليس الرحيل عن من لا يُقدّرنا هروبًا، بل شجاعة. وليس الفراق ضعفًا، بل احترام عميق للذات. أن تبقى في مكانٍ تُهان فيه روحك، وتُستنزف فيه مشاعرك، وتُكسر فيه كرامتك بالتقسيط اليومي… فهذا موت بطيء لا يشعر به أحد سواك. أما أن ترحل، فذلك ولادة جديدة، موجعة، نعم، لكنها صادقة.
كثيرون يمكثون في علاقات ميتة لأنهم يخافون الوحدة، ولا يعلمون أن أسوأ أنواع الوحدة أن تكون بجوار من لا يراك، ولا يسمعك، ولا يشعر بثقلك في الغياب ولا خفتك في الحضور. أسوأ من أن تكون وحيدًا، أن تكون فائضًا عن الحاجة في حياة من تحب.
أن تهجر من لا يعرف قيمتك، لا يعني أنك بلا وفاء، بل يعني أنك بلغت من النضج حدًّا يجعلك تفرّق بين الوفاء والذل، وبين الصبر والانتحار البطيء، وبين التضحية والتفريط في النفس. فليست كل علاقة تستحق أن نخسر فيها أنفسنا، وليست كل عشرة جديرة بأن ندفن تحتها كرامتنا.
هناك لحظة فاصلة في حياة الإنسان، يفهم فيها أن إنقاذ نفسه ليس أنانية، بل ضرورة. أن يضع حدًا لما يُؤلمه، لا لأنه لا يحتمل أكثر، بل لأنه استحق أخيرًا أن يعيش بلا وجعٍ مُقيم، بلا جرح مفتوح، بلا سؤال متكرر: “لماذا لا أُعامَل كما أستحق؟”
وحين تهجر من لا يعرف قيمتك، ستتألم… نعم. ستشتاق… نعم. ستنظر للخلف ألف مرة… نعم. لكنك في كل مرة ستشعر أن روحك تستعيد أنفاسها ببطء، وأن قلبك الذي كان يرتجف خوفًا، بدأ يتعلّم الطمأنينة من جديد. ستكتشف أن الراحة لا تأتي دائمًا بالبقاء، أحيانًا تأتي فقط بالرحيل.
وفي النهاية، ليس كل من نحبهم يستحقون أن نبقى، وليس كل من بقينا معهم كانوا جديرين بنا. فمن عرف قيمتنا لا نُفكّر في هجره، ومن جهلها لا يلومنّ إلا نفسه إن مضينا. لأن النفس أمانة، ومن فرّط في نفسه - خسر كل شيء، حتى وهو يظن أنه لم يخسر أحدًا










