الذكاء الاصطناعي في المحكمة.. ثورة قضائية أم تهديد للعـدالة؟
ايات احمد■ منى سراج
في عصر يشهد تحولات تقنية غير مسبوقة، جاءت توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتوسع فى استخدام «الذكاء الاصطناعي» داخل منظومة التقاضى فى مصر، كخطوة جديدة نحو رقمنة العدالة وحوكمتها بشكل أكثر فعالية، هذه التوجيهات تهدف إلى تعزيز سرعة الفصل فى القضايا وتحقيق العدالة الناجزة، لكنها فى الوقت ذاته تثير تساؤلات هامة حول مدى تأثير الذكاء الاصطناعي على العملية القضائية، وما إذا كانت هذه التقنيات ستحقق نتائج عادلة أم ستفتح الباب لتحديات جديدة، وهل قوانين أدوات تحويل الصوت كافية أم تحتاج إلى تعديل نصوص؟!
«آخرساعة» تواصلت مع خبراء القانون والتكنولوجيا، لاستكشاف كيف يمكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، تحويل الكلام المسموع إلى مكتوب وتحليل تعابير الوجه، ولغة الجسد أثناء الاستجواب، وأن تحدث ثورة في قاعات المحاكم، وقد فاجأتنا بعض هذه التطبيقات بقدرتها على تتبع المجرمين رقميًا، والكشف عنهم بطرق كانت تعتبر خيالًا علميًا قبل سنوات قليلة.
ومع ازدياد الاعتماد على التكنولوجيا، يبرز سؤال جوهري: هل يشكل الذكاء الاصطناعي تهديدًا لمنظومة القضاء التقليدية أم إنه الأداة الفعالة لتحقيق عدالة أسرع وأكثر دقة؟ ومن خلال تحليل تجارب الدول المتقدمة فى استخدام الذكاء الاصطناعي داخل منظوماتها القضائية، سنتعرف على كيفية إدارة تلك الدول للأدلة الرقمية، وتطوير قوانين جديدة مثل «البصمة الوراثية» للتسجيلات الصوتية، وما إذا كانت هذه التقنيات قادرة على حماية الحقوق أم إنها قد تفتح المجال لتلفيق التهم بطرق غير متوقعة. ماذا عن الجرائم العابرة للحدود والتى تتطلب إثباتات رقمية معقدة؟ وكيف يمكن للقضاة والمحامين التكيف مع عالم جديد تحكمه الخوارزميات والبيانات الضخمة؟ ونستكشف كيف يمكن لمصر أن تستفيد من هذه التقنيات دون المساس بمبادئ العدالة، وكيف يمكن أن يسهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز الثقة بمنظومتها القضائية في عالم رقمي لا يتوقف عن التغير.
◄ د.غنيم: يحقق العدالة الناجزة
◄ استفادة وتهديدات
الدكتور عبد الوهاب غنيم، نائب رئيس الاتحاد العربى للاقتصاد الرقمي، بجامعة الدول العربية، مستشار كلية كامبريدج البريطانية، يؤكد أن موضوع الاستفادة من إمكانات الذكاء الاصطناعي هام، وتم طرحه من قبل القيادة السياسية بشكل قوي، وبصفتي أستاذ الدراسات العليا بكلية القانون فى الجامعة البريطانية، شاهدت مؤتمرات علمية عديدة سوف يحتار فيها العلم والقضاء فى السنوات القادمة، فبعد أن تحدث دكتور «كلاوس شواب» مؤسس المنتدي الاقتصادي العالمي عن الثورة الصناعية الرابعة لاحظنا ظهور التطبيقات المختلفة، وجاء من أهمها تطبيقات الذكاء الاصطناعى وتطبيقات تحليل البيانات الضخمة، وإنترنت الأشياء، ثم القضايا المتعلقة بتطبيقات النانو تكنولوجى والباي تكنولوجي وغيرها..
◄ تتبع رقمي
ويوضح أنه فى مفاجأة غير متوقعة، كشفت تقنيات الذكاء الاصطناعي فى تجارب بعض الدول المتقدمة، مثل أمريكا وألمانيا عن قدرات مذهلة فى كشف المجرمين الرقميين وتتبعهم، كما ساعدت على اتخاذ قرارات قانونية سريعة، مثل إصدار حكم الإفراج عن المتهمين بناءً على تقنيات مراقبة نظرات العيون ولغة الجسد أثناء الاستجواب. وتمكنت أيضًا من تقديم أدلة قاطعة عبر تحليل المستندات والقرائن في غضون ثوانٍ معدودة. فهل هذه الابتكارات هى الدافع وراء التحول العالمى نحو «القضاء الرقمي»؟ وكيفية تمكن الدول المتقدمة من تعزيز قدرات قضاتها ومحاميها الرقميين لامتلاك الأدلة القوية والقرائن الموثوقة، وما هى إجراءات إثبات الجريمة الرقمية العابرة للدول والحدود؟
◄ عابرة للحدود
ويشير د.غنيم إلى أن مجرم اليوم أصبح «مجرما رقميا»، يرتكب من موقعه جرائم عابرة للدول والحدود، يعجز الدليل المادى المباشر عن إثباتها، وباتت الأدلة الرقمية هى السبيل الوحيد لتتبع خريطة سير المجرم الرقمي، اتجهت جميع دول العالم الآن إلى تنظيم مسودات ولوائح القانون الرقمى وإبرام اتفاقات دولية تنظمه، بل وأدخلت ضمن مناهجها التدريسية فى كليات القانون «التكنولوجيا الذكية»، وهى الآن تمضى خطواتها نحو طريق المحامى الذكى والقاضى الذكى والخبير القانونى الذكي، حتى تضمن امتلاكه المستندات والأدلة والقرائن الرقمية للقضايا المثيرة للجدل، وللجرائم الموجهة والتى يجيدها مجرمون هاكرز، قادرون على إرسال برمجيات جريمة بعينها أو برمجيات تحريض على جريمة كبرى، من خلال موقعهم دون أن يراهم أحد، ودون الاضطرار إلى السفر من الدولة التى يقطنونها إلى الدولة الأخرى.
◄ بديل المحامي
ويضيف د.غنيم: شاهدنا ظهور تطبيقات هامة جدا فى مجال القضاء، بعدما انتشر تطبيق «ديسكفري» الذى أصبح بديلا رئيسيا عن المحامى الأمريكي، لما يقدمه للمتقاضى من تيسيرات فى جميع مراحل الدعوى القضائية، فور دخول الشخص يتمكن بسهولة من إجراءات رفع الدعوى وإرفاق جميع المستندات المطلوبة للقضية، وفى أقل من ثوان معدودة يقوم التطبيق بفحص المستندات وترتيبها ثم يوجه المدعى لاستكمالها، ويقدم له المشورة القانونية المتخصصة لقضيته. «كمعاون قضاة»، مسئول عن جميع القضايا بسيطة الإجراءات، وملتزم شفافية خالية من التوجهات والانحياز السياسي، مضيفا أن القضية كبيرة وإلقاء الضوء عليها هام جدا ويقول: علينا أن ننتبه أن هذا هو علم المستقبل ولن نستطع أن نمكن القاضى من تتبع وامتلاك القرائن والأدلة الرقمية الحديثة دون الخبرة التكنولوجية، ودون أن يكون دارسا لهذه التكنولوجيات.
◄ د. رزق الله: التكنولوجيا الوطنية قضية أمن قومي
◄ تزييف البصمة
الدكتور روماني رزق الله استشاري التحول الرقمي والحوكمة، رئيس شعبة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فى جامعة الدول العربية سابقا، يرى أن الغرب يستخدمون دائما مصطلح تهديدات الذكاء الاصطناعى كفزاعة يخيفون بها المجتمعات الصاعدة حتى تتوقف عن تنمية قطاعاتها التكنولوجية، علينا أن ندرس المخاطر حتى نتقن تحييدها فى هذه القطاعات، وفى الوقت ذاته علينا الاستفادة من الأدوات التى تستطيع خدمة القطاعات المختلفة، ويؤكد أن الذكاء الاصطناعى يسرع عملية التقاضي، ويقضى على مشكلة «الخطوط لا تقرأ» ويقدم تحليلا معلوماتيا «آليا» دقيقا عن الجرائم ونسبها.
أضاف، أنه لا يوجد خوف من ظهور أخطاء فى الكتابة أثناء عملية التفريغ الصوتي، ولا تخوفات من بث معلومات غير موثوقة، لأن الذكاء الاصطناعى تخطى مرحلة «الهالوسونيشن» والتى تعنى الهلوسة، بمرحلة التعلم الحديثة بانضباط ودقة، كما أن البصمة الوراثية أثبتت قدرتها فى منع «تلفيق التهم»، وكشف التسجيلات الصوتية المزيفة، مضيفا كل ما يجب أن نتهم به الآن هو تدريب الكوادر البشرية، والتفذية المنضبطة للبيانات، كما أتمنى أن يكون لدينا التكنولوجيا الحديثة الخاصة بنا لأن هذا أمن قومى مصري، والتكنولوجيا المستوردة قادرة على غلق أبوابها تجاهنا فى أى لحظة.
◄ اقرأ أيضًا | آيفون SE 4 الجديد.. صفقة مذهلة بمزايا الذكاء الاصطناعي
◄ د.أبو الوفا: تساعد القضاة في اتخاذ قرارات أكثر عدالة وفاعلية
◄ تحويل الصوت
الدكتور أحمد أبو الوفا، أستاذ القانون الدولى بكلية الحقوق جامعة القاهرة، يفسر القوانين الرقمية المختصة باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي في القضاء قائلا إن الذكاء الاصطناعى أداة قوية يمكن أن تساعد القضاة فى اتخاذ قرارات أكثر عدالة وفاعلية من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة ودقة، لكن التزوير والتلاعب بالأدلة القانونية الصوتية والمرئية يمثل تهديدا خطيرا على النظام القضائي، وأصبح من السهل نسبيا تزوير التسجيلات الصوتية بحيث يصعب تميزها عن التسجيلات الأصلية، ويمكن للبرامج المتخصصة أن تحاكي صوت أى شخص بدقة عالية مما يتيح للمجرمين تلفيق اعترافات كاذبة أو اتهامات باطلة، مما يمثل تحديا قويا للقاضي في اعتماده على الأدلة الصوتية.
ويخشى أبو الوفا من الاستفادة القانونية فى استخدامات الذكاء الاصطناعي في تفريغ الجلسات بالمحاكم المصرية لمساعدة القضاة والمحامين، بالأدوات الجديدة التى يستخدمها العالم، أن تحتمل مخاطر وتهديدات متوقع حدوثها، كبعض النتائج السلبية (لكلمة واحدة قد يسمعها شخص بمعنى، وآخر يسمعها بغيره أو بمختلف)، ولأن القاضى هو الوحيد الذى لديه دقة فى الاستماع أثناء القضية، فيجب أن يستمع بنفسه إلى الأدلة المسموعة، وفيما تم النطق به، قبل أن يوقع على الورقة، لأن هذا مصير ناس، سواء جنائيا أو غير جنائى كأمور مالية وتجارية وغيرها، وأيضا لأن الآلة فى كتابتها تختلف عن البشر، ومن الممكن أن يستبدل الذكاء الاصطناعي الكلمات أو الأصفار، فيصبح المعترف بمديونيته التى تبلغ مليون جنيه مدينا بمائة مليون جنيه بسبب هذا الخطأ الأوتوماتيكي أو الآلى.
◄ مطلوب ضوابط محكمة
وينبه: «حتى وإن ساعدت هذه الأدوات أطراف الخصومة والقضاة فى تسهيل مهامهم وأصبحت بديلا عن المحاضر المكتوبة المستهلكة للوقت والجهد، وإن أثبت العلم أن هذه التقنيات والأدوات الحديثة طورت نفسها، وأن احتمالية الخطأ فيها ضعيفة، فإن هذا وحده يعد دليلا على أنها قد تخطأ، وأنه قد تتشوه فيها الحقائق وتتغير»، مشيرا إلى أنه برغم أن قواعد قانون البصمة الوراثية الصوتية تحدد إجراءات معقدة لإثبات تزييف الصوت من بينها على سبيل المثال (فى جرائم تزييف الصوت والفيديو)، أن يكون صاحب الصوت هو نفسه صاحب الوسيلة التكنولوجية أو التليفون المحمول المنقول عبره الصوت، إلا أنها قواعد لا تستطيع حماية الشخص المتهم بالتزييف فى حالة سرقة تليفونه أو وسيلته التكنولوجية.
واختتم: «يجب أن يتم إحاطة استخدام الذكاء الاصطناعى بضوابط محكمة تمنع من الخروج عن هذه الأغراض، ويجب أن يتم تمكين أصحاب الشأن من الطعن أومن تقديم رأيهم فيما هو حول من مسموع إلى مكتوب، كما يجب على القاضى أن يتوخى الدقة ويطلب المسموع مع المكتوب، وخصوصا فى هاتين الحالتين (الاعتراف الصادر عن المجرم، والإقرار الصادر عن الإنسان بخصوص ما عليه من التزامات)، حتى تكون نسبة الجريمة لشخص، ونسبة الالتزام غير الجنائى له كديون أو قروض أخطاء غير مترتب ظلم عليها»