الجمعة 31 أكتوبر 2025 09:17 مـ 9 جمادى أول 1447هـ
أخبار مصر 2050
  • رئيس التحرير التنفيذي مها الوكيل
  • مستشار التحرير د. عبد الرحمن هاشم
المقالات

اشرف محمدين يكتب:-الأمان النفسي - الحلم الذي يتجاوز الحب

أخبار مصر 2050

نحن نظن أن الحب وحده يكفي، وأن الكلمات الدافئة والوعود الصادقة كفيلة بأن تُشيّد علاقة متينة تُقاوم الزمن وتقلباته. لكن الحقيقة أن الحب، مهما كان جارفًا، قد يتهاوى إذا غاب عنه الأمان النفسي. فالقلب لا يسكن إلا حين يشعر أن هناك حضنًا يحميه، ويدًا لا تهتز وقت العواصف، وصوتًا مطمئنًا يقول: “أنا هنا -لن أرحل”.
الأمان النفسي ليس رفاهية، بل هو أساس كل علاقة ناجحة. هو أن تكون على سجيتك بلا خوف من نقد جارح أو محاكمة دائمة. أن تتكلم كما تشاء وتبوح بما في داخلك، دون أن تخشى أن يُستخدم ضدك يومًا ما. هو أن تجد نفسك محبوبًا كما أنت، لا كما يريد الآخر أن تكون. وما أكثر العلاقات التي سقطت رغم الحب، فقط لأنها افتقدت هذا الركن الصلب. فالحب بلا أمان يتحول إلى قلق، والقلق إلى شك، والشك إلى جفاء. بينما قد يستمر الأمان حتى لو قلّ وهج الحب، لأنه يمنحك الطمأنينة التي تجعلك قادرًا على التحمّل والتنازل والاستمرار.

الأمان النفسي هو أن تغمض عينيك بجوار من تحب وأنت واثق أن قلبه لك، وأن غيابه لا يعني خيانة، وأن صمته لا يخفي سيفًا مسلطًا عليك. هو أن تشعر بأنك في بيت، حتى لو لم يكن بجوارك دائما لأن البيت الحقيقي ليس جدرانًا، بل هو قلب يمنحك السلام. الأمان النفسي يعني أن تُخطئ وأنت مطمئن أن خطأك لن يُختزل في هويتك كلها، بل سيُفهم في سياق بشريتك. أن تُظهر ضعفك دون أن تُعاقب عليه، وأن تبكي دون أن تُتهم بالهشاشة، وأن تُصارح بما يجول في بالك دون أن تُقابل بالتهكم أو التجاهل. هو أن تُعامل إنسانًا كاملًا، بحقوقه ونواقصه، لا مجرد صورة مثالية مفروضة عليك.
والأمان ليس فقط ما نأخذه من الآخرين، بل ما نعطيه أيضًا. أن تكون سندًا لشريكك، تستمع له دون مقاطعة، وتواسيه دون تقليل، وتحتويه وقت ضعفه بدلًا من أن تزيده عبئًا. أن يشعر أنك أرض صلبة يقف عليها حين يترنح، وأنك ظهر يحميه حين ينحني. فالأمان النفسي علاقة متبادلة، لا هبة من طرف لآخر. ولعل أجمل صور الأمان النفسي تلك اللحظة التي لا تحتاج فيها للكلمات الكثيرة، فقط وجود الآخر بجانبك يكفي لطمأنة قلبك. لحظة صمت لكنها مليئة بالمعنى، ونظرة عميقة تختصر مئات الجمل. هذا الأمان يجعل الحب ينمو بهدوء، بعيدًا عن الضجيج، ليصبح حبًا ناضجًا قادرًا على مواجهة الأيام.

إننا نكبر في العمر، لكننا نظل أطفالًا في حاجة إلى حضن دافئ ويد تُمسك بنا وتقول: “أنا بجانبك مهما حدث”. لذلك، قد نفقد الشغف يومًا، أو يقل بريق المشاعر، لكن الأمان النفسي يظل هو الرابط الأعمق، الحلم الذي يتجاوز الحب، ويجعل العلاقة صامدة في وجه كل اختبار
ولعل أكبر مأساة يعيشها إنسان، هي أن يكون في علاقة حب عميقة لكنها تفتقر إلى الأمان. عندها يصبح الحب سيفًا ذا حدين: يمنح لحظات من السعادة، لكنه يترك جروحًا عميقة بسبب الشك والقلق والخوف. بينما في المقابل، قد نجد علاقة لا تعجّ بالمشاعر المتفجرة، لكنها مغمورة بالسكينة والاطمئنان، فتدوم وتزدهر وتبني بيوتًا مستقرة قد نبحث طويلًا عن الحب، ونظن أننا وجدنا كل شيء حين يدق القلب، لكن الحقيقة أن الامتحان الأكبر يبدأ بعد الحب: هل هناك أمان؟ فالحب يُشعل الشرارة الأولى، لكن الأمان النفسي هو الذي يُبقيها متقدة دون أن تحرقنا. هو الذي يحوّل العلاقة من عاطفة عابرة إلى مأوى آمن. قد ننسى الكلمات الجميلة، وقد تخفت الوعود مع الوقت، لكن ما يبقى في الذاكرة دائمًا هو: كيف كنا نشعر مع من نحب؟ هل شعرنا أننا بخير؟ هل شعرنا أننا في أمان؟
لذلك، ابحثوا عن الأمان قبل كل شيء، فهو الحلم الذي يتجاوز الحب، وهو المعنى الحقيقي للاستقرار الإنساني. فالحب وحده قد يبهرك، لكن الأمان وحده هو ما يُبقيك. والإنسان في نهاية المطاف لا يبحث عن شريك يملأ أيامه بالوعود، بل عن قلب يمنحه سلامًا، وعن يد تُمسك به في كل العواصف، وعن روح تجعله يشعر أنه وصل إلى بر الأمان مهما تقاذفته أمواج الحياة
الأمان النفسي ليس رغبة عابرة تُلبيها حفنة وعود أو كلمات متعاطفة تُتلى بين حين وآخر، بل هو صرح يبنيه الإنسان مع رفيق دربه عبر سلوك يومي من الوفاء والاهتمام والحماية. هو ذاك الشعور الذي يجعلنا نغلق عيوننا ونستسلم لراحة لا تهتز، لأننا نعرف أن من بجانبنا لن يجرحنا عن عمد، وأن قوّته لن تكون على حسابنا. ليس الأمان أن تخلو العلاقة من الخلافات، فالنزاعات واردة، بل الأمان أن يكون هناك مرجعية حكم رحيمة تنتظر الخلاف لتصلحه، وأن يتحول كل تصادم إلى فرصة للفهم بدل أن يتحول إلى سلاح يقسم القلوب.
عندما نقول إن الأمان يتجاوز الحب، فإننا لا نخمد حرارة العاطفة، بل نمنحها استدامة. الحب شرارة، والأمان هو البيت الذي يجعل تلك الشرارة تضيء دون أن تحرق، هو الحبل الذي يمسكنا حين تميل القلوب، والظل الذي نحتمي به حين تحرق شمس الشكوك. وما أجمل أن يعيش الإنسان في علاقة لا يخشى فيها الاعتراف بضعفه، لأن الضعف فيها لا يُستغل، بل يُستقبل بعين الاعتبار والوقوف جنبًا إلى جنب. في هذه البساطة تكمن قوة غير معلنة: قوة تبني ثقة تُثمر تفاهمًا، وتثمر تفاهمًا يصنع حياة متزنة لا تهتز أمام رياح الأيام.

و في النهاية - الأمان النفسي هو مسؤولية شخصية لا تقل عن حقه. أن تمنح غيرك الأمان يعني أن تقوى على الاستماع بدون حكم، أن تحترم احتياجه للفضاء دون اعتبار هذا انسحابًا، أن ترد بلطف حين يخطئ لا أن تثبت خطأه كقضاء ثابت. هو أيضًا قرار يُتخذ كل صباح: أن أكون من يربت دون أن أجرح، من يسمع دون أن يستهين، من يسبق بالنوايا الطيبة قبل النتائج
وليس أخطر من أن يفتقد المرء الأمان مع من أحبّ؛ لأن فقدانه هناك يتسلل إلى عظامه ويقلب مساراته، يجعل البديهيات مرهقة، ويبدد الثقة الممنوحة للحياة. لذلك، إن لم نستطع أن نضمن الطمأنينة للآخرين بأفعالنا، فليكن فينا على الأقل وعيٌ يُذكّرنا بأن الأمان لا يُعطى فقط بالكلام، بل بالثبات في الوجود، وبالصدق في الموقف، وبالرحمة في الرد. ولنتذكر دائما ان الحضن آلامن قد يهون من قسوة الحياة و غدر الأيام

مواقيت الصلاة

الجمعة 09:17 مـ
9 جمادى أول 1447 هـ 31 أكتوبر 2025 م
مصر
الفجر 04:40
الشروق 06:08
الظهر 11:39
العصر 14:46
المغرب 17:09
العشاء 18:28