شنغهاي ترسم ملامح نظام عالمي جديد.. الصين تتحدى الهيمنة الغربية وتبني تحالفات الجنوب


في ظل عالم يشتعل بالأزمات، من الحروب الممتدة في أوكرانيا والشرق الأوسط، إلى تصدعات الاقتصاد العالمي وانهيار ثقة الشعوب في المؤسسات الدولية، برزت الصين من جديد لتضع نفسها في قلب المشهد عبر القمة الخامسة والعشرين لمنظمة شنغهاي للتعاون. القمة التي انعقدت مؤخرًا لم تكن مجرد اجتماع سياسي تقليدي، بل بدت وكأنها محاولة جدية لصياغة قواعد جديدة للنظام الدولي، بعيدًا عن الهيمنة الغربية المستمرة منذ نهاية الحرب الباردة.
شي جين بينج يرفع شعار "كفى هيمنة غربية"
الرئيس الصيني شي جين بينج استبق القمة برسائل قوية دعا فيها إلى توحيد دول الجنوب العالمي، والتمسك بـ"التعددية الحقيقية"، وتشييد نظام عالمي أكثر عدالة وعقلانية. هذه التصريحات حملت دلالات واضحة: لم يعد مقبولًا أن تظل الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون المتحكمين في مفاتيح النظام الدولي.
القمة لم تنتهِ عند حدود البيانات الرسمية؛ بل تزامنت مع عرض عسكري ضخم احتفلت فيه بكين بمرور 80 عامًا على انتصارها على اليابان في الحرب العالمية الثانية، بحضور 26 زعيمًا عالميًا. العرض لم يكن مجرد استعراض للقوة العسكرية الهائلة التي تمتلكها الصين، بل رسالة موجهة للغرب مفادها أن بكين أصبحت جاهزة اقتصاديًا وعسكريًا لتقود قطبًا جديدًا في مواجهة واشنطن.
تحالفات تقلق أمريكا
اللقطة الأكثر تداولًا من القمة كانت صورة الرئيس الصيني إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون. اجتماع الثلاثي أثار غضب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي اعتبر أن هناك "تآمرًا ضد أمريكا"، بحسب ما كتبه على منصة "تروث سوشيال".
اقرأ أيضاً
الصين وروسيا.. شراكة تعيد رسم خريطة الاستقرار العالمي من فلاديفوستوك
أسعار الحديد في مصر اليوم الجمعة 5 سبتمبر 2025
استقرار أسعار الذهب عالميًا ومحليًا اليوم الجمعة 5 سبتمبر 2025
استقرار سعر الدولار أمام الجنيه المصري اليوم الجمعة 5 سبتمبر 2025
”شوانفينج” الصينية تنضم لاستثمارات القنطرة غرب عبر عقد مع اقتصادية قناة السويس
شي جين بينغ: الصين ضحت لإنقاذ البشرية وستبقى حصناً ضد الهيمنة والطغيان
هل انتهى الحلم الأمريكى؟.. استطلاع: مستويات قياسية من التشاؤم حول الاقتصاد
السيسي وولي عهد البحرين يؤكدان رفض تهجير الفلسطينيين ودعم إعادة إعمار غزة وتعزيز التعاون الثنائي
قانون الإيجار القديم 2025 يبدأ اليوم.. اعرف هتدفع كام وإزاي تتحسب الأجرة في منطقتك
حانات على طراز السجون فى الصين مع زنزانات وبدلات برتقالية..
استهداف طائرة تقل فون دير لاين بتشويش على نظام الملاحة يشتبه بوقوف روسيا وراءه
بداية تطبيق قانون العمل الجديد غدًا.. تعرف على ساعات العمل والإجازات وحقوقك كاملة
الصورة لم تكن مجرد مجاملة بروتوكولية، بل إشارة رمزية لتحالف تتسع دائرته في مواجهة المعسكر الغربي. هذا التوجه يضع العالم أمام مفترق طرق: بين قطب أمريكي يسعى لتجديد هيمنته عبر سياسات حمائية وفرض الرسوم الجمركية، وقطب آخر صاعد يتزعمه التنين الصيني مدعومًا بروسيا والهند وقوى الجنوب.
النظام الدولي في مأزق
منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية واحتدام الصراعات في الشرق الأوسط، تآكلت شرعية المؤسسات الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن. بات واضحًا أن القانون الدولي أصبح أداة بيد الغرب لفرض عقوبات، بينما غابت فعاليته كآلية لحل النزاعات. وهنا، أرادت الصين أن تقدم بديلًا قائمًا على "التعاون والتنمية المشتركة" بدلًا من "الإملاءات والشروط السياسية".
أرقام تكشف القوة
منظمة شنغهاي للتعاون ليست كيانًا عابرًا؛ فهي تضم نحو نصف سكان العالم، وتمتد على ربع مساحة اليابسة، وتساهم بما يقارب 23.5% من الناتج العالمي. هذه الأرقام تكشف أن بكين تراهن على تحالف يمتلك ثقلًا حقيقيًا قادرًا على منافسة الغرب، ليس فقط سياسيًا، بل اقتصاديًا وتنمويًا.
اللافت أن المنظمة أعلنت أن عام 2025 سيكون "عام التنمية المستدامة"، مع التركيز على الطاقة المتجددة، والبنية التحتية، والاقتصاد الأخضر. وهو ما يعكس مساعي الصين إلى صياغة مسار تنموي بديل يتحدى النموذج الغربي الذي تُتهم سياساته بالتسبب في أزمات اقتصادية متكررة وتوسيع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
التحالف الصيني الروسي.. شراكة الضرورة
التحالف بين بكين وموسكو يُعتبر الركيزة الأساسية لأي تصور عن التعددية القطبية. البيان المشترك بين الرئيسين في 2022 على هامش الأولمبياد الشتوي ببكين أكد بوضوح رفض الهيمنة الأمريكية والدعوة إلى نظام عالمي جديد أكثر عدلًا.
لكن هذا التحالف ليس "اختياريًا" بقدر ما هو "ضروري": فروسيا تحتاج الصين لتفادي العزلة الغربية، والصين بدورها تعتمد على روسيا لموازنة الضغوط الأمريكية. ومع ذلك، يبقى لكل طرف أولوياته ومصالحه الخاصة.
الهند.. بيضة القبان
المعطى الجديد في هذه القمة كان الحضور البارز لرئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. ورغم التوترات السابقة بين نيودلهي وواشنطن بسبب تعريفات ترامب الجمركية، فإن لقاء مودي مع شي قد يفتح الباب أمام تقارب صيني – هندي يعيد رسم معادلة القوة في آسيا. فإذا نجحت الدولتان في تجاوز خلافاتهما الحدودية القديمة، فإن منظمة شنغهاي للتعاون ستكسب دفعة استراتيجية هائلة.
الصين تسعى.. والغرب يراقب
في النهاية، تعكس تحركات الصين محاولتها الجادة لإعادة صياغة النظام الدولي بما يضمن توزيعًا أكثر عدالة للثروة والسلطة. من خلال شنغهاي وبريكس، تطرح بكين نفسها كقائد لجنوب عالمي يبحث عن صوت بديل، بعدما أثبتت النماذج الغربية عجزها عن حماية الاستقرار أو تحقيق التنمية.
ويبقى السؤال: هل ستنجح الصين في مساعيها لتأسيس نظام عالمي جديد، أم تتحرك القوى المهيمنة سريعًا لإجهاض هذا المسار كما فعلت سابقًا مع الاتحاد السوفيتي؟